قبينما هو كذلك إذ مر به البطريق يركض، قال قيس لرجل من اصحابه: شأنك البطريق لا يفوتك. فشد الرجل على البطريق، ورجع اليه البطريق فاعتنقا فوقعا على الأرض، وقبض البطريق على الرجل، فلم يقدر الرجل ان يتحرك. فلما رأى قيس ذلك نزل فضرب احدى يديه فقطعها ثم قال للرجل: قم اليه فاقتله. ففعل.
ولما دنا ماهان، وعزموا على لقائه أمر أبو عبيدة خالدا على الرجال. فخرج في خيل عظيمة عظيمة، ودعا خالدا قيسا، فقال له أنت فارس هذه الخيل، فخرج معه قيس فولاه خالد على ربع، وولى الطفيل بن عمرو الدوسي على ربع. فخرج عند ذلك بطرق يدعو إلى المبارزة، فأراد أحد الفرسان أن يخرج. فقال له خالد: لا تخرج، وأراد عمرو بن الطفيل الدوسي أن يخرج. فقال له خالد لا تخرج. واراد عبد الحارث بن عبد ان يخرج. فقال له خالد لا تخرج. فخرج اليه قيس بن هبيرة وهو يقول: ألست حرب الحرب من أبطالها.
وحمل عليه قيس فضربه فصرعه، وكبر المسلمون وصاح قيس بخيله اسدوا والله لا تفلحون، وكان أولهم المنغفر المضاحك، فأحلوا على من يليهم فكشفوهم فهزموهم.
فبلغ ذلك أبو بكر الصديق، رحمه الله. فقال: صدق قيس ووفى.
وقد ذكرنا لقيس اشياء كانت في الاسلام لأنه مشهور بفروسيته وفتكه. وقتله لابن مامة ملك متوج وهو غير فارس. فهذا فارس من فرسان العرب في الجاهليةوالاسلام، ورأس أبي ظبيان عبد شمس بن الحارث بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدول بن غامد.
فمن فعله في الجاهلية ما أخبر به أبو قيس، عن أشياخه. قال: كان أبو ظبيان نائما بالعقيق ورسن فرسه بيده، فإذا هو بصهيل الخيل فوثب فركب فرسه، فاذا حصيدة الفجا في قومه خثعم يريد الغارة على غامد. وكانت غامد بهضيبة الأمعز. فلم يخبر أبو ظبيان قومه، وواقع القوم فلم يزل يطعن فيهم حتى كشفهم، وشد على حصيدة فطعنه فقتله، فانهزم أصحابه. فقالت غامد لأبي ظبيان: لو أنك اخبرتنا لقاتلنا معك. فقال:
العواذل أمهن ألم يروا ... بلى محسبه لنخل المسجد
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سوادا كخافية الغراب الأسود
بدر الفوارس أخذها فمنعتها ... حوبا وأدما مثل حب العرقد
لي صاحب فألومه ... يوم العقيق ولست بالمستبعد
بعدما ... بالرمح القشب الردى
وخرج أبو ظبيان يوما من غامد، فأبصر أسدا، ولا سلاح معه. فمنعه الأنف والحمية ان يولي على الأسد. فشد على الأسد جاسرا، فجعل يمارسه وعقره الأسد. فلم يزل أبو ظبيان يمارسه حتى لحقوه بسيف فأخذه وضرب له الأسد فقتله. فشمت بأبي ظبيان رجل من بني غامد كان يحسده لأن الأسد عقره فقال:
ألا ابلغ أبا ظبيان عني ... ففيم اللوم ان لم يحمدوني
كسوت السيف جمجمة وقاحا ... وأنتم تنظرون إلى القرون
فإن تك شامتا جهلا وظلما ... فقد عزلت يمينك عن يميني.
وان تعنف علي فإن عندي ... مكارمة اجنبها مهيني
واعطيها الكريم إذا نعاها ... فتبلغ يقيني
وهو الذي خرج بجمع غامد حتى لقى النجاشي التي مرت بالسراة فهزمها وقتل الخثعمي.
[٥ - عمان]
في العصر الاسلامي قال: ولم يحدث من الفرس إلى عمان رجعة منذ ملكها مالك بن فهم، وأجلاهم عنها، إلى ان انقضى ملكه، وأمر ولده بعده. وصار ملك عمان إلى آل الجلندي بن المستنير المعولي. وصار ملك فارس إلى ساسان، وه رهط الاكاسرة وكانت المهادنة بينهم وبين آل الجلندي بعمان. فكان فيها اربعة الاف من الاساورة والمرازبة، مع عامل يكون له بها عند ملوك الازد، في مهادنتهم تلك.
فكانت الفرس في السواحل وشطوط البحر. والازد ملوكا في الجبال والبادية، وغير ذلك من اطرفا عمان. وكانت الامور منوطة بهم. وكان كل من غضب عليه كسرى من الفرس وأهل بيته ومملكته، أو خافه على نفسه وملكه، ارسله إلى عمان يحبسه فيها.