وكان من اتم أهل زمانه اقامة. وقيس بن سعد هذا، هو الذي ارسل اليه معاوية الهدايا، وكان في جملة ما ارسل اليه: ان الملوك قبلك كانت تراسل الملك منا، ويجهد بعضهم ان يعرب على بعض، وقد ارسلت اليك برجلين، احدهما طويل الجسم، والاخر بدو اريد ان تهدي الي من ثيبك التي تلبسها. فقال معاوية لعرو بن العاص: أما الطويل فقد اصدنا كفره، وهو قيس بن عبادة، واما الاخر فقد احتجنا إلى رايك فيه. فقال: ادلك على رجلين كلاهما اليك بغيض، وهو بن الحنفية، وعبد الله بن الزبير. فقال معاوية: ابن الزبير اقرب الي على كل حال. فلما دخل العلجان على معاوية وجه إلى قيس بن سعد يعلمه، فلما مثل بين يدي معاوية اخبره بحير العلج.
ثم قال: ابعث الي ببعض سراويلك، وانما اراد معاوية انها سراويله. فعلم قيس ما اراد معاوية فقام على رؤوس الناس ثم خلع سراويله، ثم رمى بها إلى العج. فقال له: البسها، فلبسها العلج، فبلغت ثنوتيه، فأطرق مغلوباً.
ثم قال قيس لمعاوية: اعطني بعض سراويلك البسها، فجيئ بواحدة منها، فلما لبسها قيس صارت عليه كالثياب. فنزعها ورمى بها إلى معاوية. وقال: اغنى عنا ثيابك بهذا.
فقال معاوية:
أما قريش فأشباح مسربلة ... واليثربيون اصحاب الثيابين
تلك اليهود التي يعني ببلدتنا ... كما قريش هم أهل السخاخيني
ثم ان معاوية وجه إلى ابن الحنفية، فلما دخل عليه أخبره بما دعي له، فقال: قل له ان شاء فليجلس وليعطني بيده، حتى أقيمه أو يقعدني، وان شاء هو القائم، وأنا القاعد فاختار الرومي الجلوس، فأقامه محمد وأعجز هو عن اقعاده. ثم أختار الرومي أن يكون هو القاعد، فأقعده وعجز الرومي عن اقامته، وانصرف الروميان مغلوبين.
فولد النجار، واسمه تيم اللات، وانما سمي النجار لأنه ضرب رجلا أي قطعه النجار. فقيل لقيس: لما نزعت سراويلك بين أيديهم الا بعثت اليهم. فأنشأ يقول:
أردت لكي ما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود
والا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود
واني من القوم اليمانين سيدا ... وما الناس الا سيد ومسود
بدوا جميع الخلق أصلي ومنصبي ... وجشم به أعلى الرجال مديد
ولقيس بن سعد أشعار كثيرة في يوم صفين، وغير ذلك.
[عمرو بن الخزرج]
وولد عمرو بن الخزرج رجلا: ثعلبة، وولد ثعلبة بن عمرو رجلا نجار واسمه تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، أربعة نفر وهم: مالك، وعدي، ومازن، وذبيان.
وولد مالك بن النجار أربعة: عمرو، وعيما، وعامرا، وهو مندوب، ومعاوية، رهط عمر بن حنله، انقرضوا. فولد عمرو بن مالك بن مالك بن النجار رجلين: معاوية، وأمه جديلة بنت مالك بن زيد مناة بن كنانة من بني كنانة بن النظر، وأختهم من بني خزيمة.
وولد عامر، وهو مبذول بن، مالك رجلين وهما: عمرو مالك، فهذه بطون الخزرج بن حارثة. ومبذول مفعول، أتى من البذل، بذل يبذل فهو باذل. وبذال المبذول ثوب تبتذله المرأة في بيتها، والجمع مباذل، والبذالة ابتذالك الشيء.
فمن بني معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أبي بن كعب بن قيس بن عبد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك. وهو أحد من جمع القرآن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم واليه تنسب القراءة، شهد بدرا. وأبيّ: تصغير أب. واحد الآباء، وتصغير أبّ وهو المرعي. من قوله - عز وجل -:) وفاكهة وأبا (.
ومن بني غنم بن مالك بن النجار، أبو أيوب، واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار. وهو أول من نزل عليه سلى الله عليه وسلم عند دخوله المدينة، فأقام عنده سبعة أشهر، وقبره بسور القسطنطينية من بلاد الروم، حيث حضرته الوفاة. وذلك أنه غزا في أيام معاوية، مع ابنه يزيد فوصلت العساكر بمدينة القسطنطينية من بلاد الروم، فحضرت الوفاة لأبي أيوب الأنصاري، فأوصى أن يقبر تحت سورها فقبر هناك.
حسان بن ثابت