ثم هجم على الماء يشرب، ورآه القوم، فلما همّ القوم بالخروج، رماه أحدهم بصخرة على هامته فأصدره في القليب. ثم قفز فتعلق برجل أحدهم فجره معه في القليب فقتله، وترامى اليه الآخر، فضرب شمال الشنفري فقطعها وسقطت في القليب، وسقط معها، فتناولها ورمى بها بعضهم فأصاب كبده، فجر معه في القليب، فوطئ الشنفري على صدره فدق عنقه.
ثم انهم اجتمعوا عليه من كل ناحية، فقال بعضهم: استبقوه، فإنما هو رجل منكم، ولعله ان مننتم عليه يشكر ذلك، ويترك غاراته عليكم.
فسمع قولهم. فقال: يا معشر الأزد، قد أخذتم ثأركم بقطع يدي.
قالوا: ويلك، وهل في قطع يدك على كثرة ما قتلت منا.
الشنفري: نعم، بعدد كل أنملة، وعضو، وعرق، وعصبة، وعظم في بدني ثأر منكم. وإني لا أعلم غير تاركي للومكم، وبه سلطت عليكم، ثم لم يأخذوا ثأر. وأنا الذي أقول:
ومن يك مثلي يلقه الموت خاليا ... من المال والأهلين في رأس فدفد
ألا ليت شعري أي دحل يصيبني ... وان ذنوبي تلفني وهو موعدي
سعيت لعبد الله بعض حشاشتي ... ونلت لثأري حيث كنت بمرصد
وقالوا أخوكم جهرة وابن عمكم ... ألا فاجعلوني مثلا بعد أبعد
أنا ابن الألى شدوا وراء أكفهم ... ولست بفقع القاع من بين قردد
أضعتم أبي قتلا فكنتم بشارة ... على قومكم ياآل عمرو بن مرثد
فها أنذا كالليث يحمي عرينه ... وإن كنت عانٍ في وثاقي مصفد
فإن تقطعوا كفي الأرب ضربة ... ضربت وقلبي ثابت غير مرعد
وطعنة حلس معكم قد تركتها ... يثج على أقطارها سم أسود
فإن تقتلوني تقتلوا غير ناكص ... ولا يرم هام على الحير ملهد
ألا فاقتلوني انني غير راجع ... اليكم ولا أعطي لذل معوّدي
فقال أسيد بن جابر: ان الرجل قد آيسكم من نفسه، فمن كان له قبله ثأر فليقتله. فسمع قوله قوم قد كان وترهم، فرضخوه بالحجارة حتى قتلوه، فأخرج فصلب. فبلغ ذلك عمرو بن براق. فقال يرثيه:
على الشنفري صوب الغمام ورايح ... غزير الكلى مثغجر الماء ماطر
عليك جزاء مثل يومك بالحيا ... وقد رعفت منك السيوف البواتر
فإن تك مأسورا مصاعا مصفدا ... فإنك للأعداء يا خل واتر
وحتى رماك المشيب في الرأس ضاحكا ... وخيرك مبسوط وزادك حاضر
وأجمل موت المرء ان كان ميتا ... ولا بد يوما قتله وهو صابر
إذا راع راع الموت عنه وان حمى حمى معه حر كريم مصابر
فإن ضحكت منك الاماء فقد بكت ... عليك فاعوان النساء الحراير
وسكن جاشي ان كل ابن حرة ... إلى مثل ما قد صرت لا بد صاير
مرّ بن ميدعان
وولد مرّ بن ميدعان نسعد بن مرّ. فولد سعد، سعيد خنبش بن سعد. وهو رهط شريك بن أبي العكر. واسم أبي العكر مسلم بن سمي.
وكان العكر تزوج أم شريك، امرأة من بني عامر بن لؤي، فولدت له شريكا، ثم خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعكر مشتق من أشياء، وأصله كله راجع إلى المكدر، واعتكار الشيء: دخول بعضه في بعض، والعكرة من الابل ما بين الخمسين إلى المائة. وعكر الفارس على الكتيبة: إذا حمل عليها، واعتكر الليل: إذا اختلطت ظلمته. والمعكار: القطعة العظيمة من الابل، وعكر كل شيء ما غلظ منه. وقد سمت العرب عكيرا وعكارا ومعكرا.
وولد سعد أيضا شجاعة بن سعد. ويقال شجاعة بن مالك بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد. وشجاعة في غامد نولهم بمضر عدد كثير.
[٣ - راسب بن مالك]
وأما راسب، واسمه الحارث بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد. فمنهم عبد الله بن وهب الراسبي، صاحب الخوارج، وكان رئيسهم يوم النهروان. وهو القائل لنافع بن الأزرق نحين سمعه يصف الخوارج في السر ولا يظهر ذلك:
لسانك لا تبكي من القوم إنما ... تنال بكفيك النجاة من الكرب
فجاهد أناسا حاربوا الله واجتهد ... عسى الله أن يخزي بني حرب