للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما نظروا إلي ذلك هالهم أمره واكبروا شأنه، واعظموه، وتحاجز الناس عنه، وسدّ بذلك، فأمسك عنه الجميع، وحمد اليه عظماء أهل كرمان والأشراف منهم، ممن كان بايعه على قتل الملك، فاستجاشوا اليه، وصوفوا إليه جميع الناس، وفرحوا بذلك فرحا شديدا، لما كان من عسف الملك وسوء سيرته فيهم. ثم انهم شدوا في رجل الملك حبلا وأمروا الصبيان ان يجروه ويطوفوا فيه شوارع كرمان وسككها.

ثم اجتمع العظماء والأشراف فتآمروا بينهم في تمليك سليمة اياهم وتسليم الأمر إليه دونهم. فاجتمعوا على ذلك ووفوا له بما بايعوه، وصرفوا اليه جميع الناس، واستقبلوه بالسمع والطاعة حتى استقر الأمر وتمهد. ثم أنهم اهدوا اليه عرسه، فابتنى بها. واستقام له أمر كرمان وملكها. فاستولى على جميع كورها وثغورها وأطاعه الجميع من أهلها، ومكنوه من أنفسهم وأموالهم، وأعانوه على جميع أمره.

فلم يزل أمره فيهم كذلك، إلى أن بغى بعضهم وحسدوه. وقالوا: إلى كتى يملكنا هذا العربي ونحن أهل القوة والمنعة والعز والسلطان. وجعلوا يتعرضون له في أطراف أعماله وناحية ثغره. فعند ذلك كتب سليمة إلى أخيه هناة بن مالك بعمان يستصرخه، ويطلب منه المعونة والمدد، أن يمده بخيل ورجل من فرسان الأزد وأبطالهم، يشد بهم عضده، ويقيم بهم أود من تعاوج عليه من العجم.

فأمده هناة بثلاثة آلاف من فرسان الأزد وأبطالهم بالعدد والعدة والدروع وحملهم في المراكب، حتى أوردهم إلى كرمان. فتحصلوا عند سليمة وأقاموا معه بأرض كرمان، فشد بهم عضده، وأقام بهم صَفّي من تعاوج عليه من العجم.

واستقام الأمر، وسياسة الملك. وفي هذه القصة يقول بعض أهل هذا العصر:

فنحن سلبنا الملك من آل بهمن ... على رغمهم قسرا بجدع المناسم

وكان لنا الملك الأكاسر قلبهم ... وكنا الذرى من مالك والقوادم

اليس الفتى الأزدي أسرى بغرمه ... إلى بهمن بالموبقات الحواتم

الم يخترمهم يوم بوس بسيفه ... ويصرم راس الأعوج المتفاقم

وأهدى بجيشه بعد ذلك يقوده ... إلى الحرب أبناء الليوث الخضارم

أمد هناة من أخيه بعسكر ... سليمة فاثبتوا كأسد ضراغم

ثلاثة آلاف كرام فروعها ... إلى القفص صارت بالعتاق الصلادم

فأسكنهم كرمان ليست بدارهم ... ثلاثون محصنا من ملوك أكارم

إذا سلت عنكم سليم بن مالك ... روت رؤوسكم عنها بفرس اعاجم

فلا أنتم منهم فيلزم خدمكم ... ولا من شريك في العلا والجراثم

قال: ولم يزل سليمة بن مالك بن فهم بأرض كرمان مستقيما، قد أذعن له أهلها، ويؤدون إليه خرجها، إلى أن اشتد ملكه، وقوي سلطانه. وولد له عشرة أولاد ذكور وهم: عبد بن سليمة، وحماية بن سليمة، وسعد بن سليمة، ورواحة بن سليمة، ومخاش بن سليمة، وكلاب بن سليمة، وأسد بن سليمة، وأسود ين سليمة، وعثمان بن سليمة.

ثم أن سليمة بن مالك، مات بأرض كرمان، فاختلف رأي ولده من بعده واضطرب أمرهم، ودخل الناس بينهم. وكان سبب زوال أمرهم، ورجوع الملك إلى العجم، حين وجدوا عليهم المدخل، لما كان من حسد بعضهم بعضا، فتغلبت عليهم الفرس، واستولوا على ملك أبيهم، فاضمحل أمرهم، وتفرقوا في أرض فارس وكرمان وجزائر فارس وأعمالها، وفرقة منهم توجهت إلى جبال عمان، فلحقت باخوالهم ويروى بإخوانهم.

فمن ولد سايمة؛ اصحاب جبال القفص من كرمان المتوجان، وأهل المربد، وبنو بلال، وآل الجلندي بن كركر. وآل الجلنديبن كركر والجلندي بن كركر هو جد الصفاق، ومن ولده ملوك هروا إلى اليوم.

وجمهور بني سليمة، بأرض فارس وكرمان، لهم بأس وشدة وعدد كثير وبعمان منهم الأقل.

ذكر ولد سليمة بن مالك بن فهم

<<  <   >  >>