للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال سليمة: على أنكم تصيرون ملكه وسلطانه، إن أنا أمكنني الله منه لي، ولعقبي من بعدي، دون سائر أهل كرمان. وعلى ان آخذ جميع غلاتكم وجباية جميع أموال كرمان، إلى ان أتمكن وأبلغ غاية مرادي، وأن انتخب لنفسي من جميع ما قدرت عليه من رجال العرب، ومن أجناس أهل كرمان، من أردت من الرجال، وان تزوجوني إمرأة من كرائم عقائل نسائكم.

قال: فأمسك القوم لذلك، ونكسوا لرؤوسهم ساعة، ثم أقبل بعضهم على بعض.

فقالوا: إن كان فيكم معاشر أهل كرمان من يقدر على هذه المعاني بدون هذه الشروط والمطلب، فليفعل. فسكتوا ولم يتكلم منهم أحد.

قال سليمة: فإني لا أستطيع إلى فعل ذلك إلا على هذه الشروط.

فعند ذلك ضربوا بأيديهم على يد سليمة.

وقالوا له: لك جميع ما شرطت وطلبت.

ثم أنهم بايعوه على قتل الملك، وأهل بيت الملك والسلطان. وهم قوم أمر الملك، ونظام ملكه وسلطانه. فلما كثر بغيه وظلمه لأهل مملكته كرهه الكل منهم.

فلما فرغوا من أمر البيعة، عمدوا إلى سليمة فزوجوه بإمرأة من كرائم بناتهم، وكل ذلك والملك لا يعلم بشيء من أمرهم. إلا أنهم أشهروا من ترويج المرأة باسم رجل من بعض أهل كرمان، ممن شهد البيعة. ولم يذكر اسم سليمة لئلا يعلم الملك بشيء من أمره.

وأن سليمة لما فرغ القوم من بيعتهم له وتزويجهم إياه، عاهدهم إلى ليلة معلومة ليكونوا يزفونه إلى الملك. وقال لهم: إذا عزمتم على ذلك فاشهروا أمر هذه المرأة إلى بعلها، حتى يبلغ ذلك الملك، ليكون متأهباً للتعريس. ثم إنكم اعهدوا إلي في خفاء من الناس، فالبسوني أنواع الحلي والحلل، وزفوني إلى بعلها. فإذا أنا صرت إليه، وأغلق الأبواب وأرخيت الستور دوني، وأمر الخدم بالانصراف، وأشرف علي، وتمكنت من ضربه بيدي على هذه السكين التي في حجرة سراويلي ووجأته بها فاستمسك في يدي، فإذا أنا ظفرت به، وتمكنت من حجابه وأهل حرسه، وسمعتم الصريخ، فبادروا إلي بأجمعكم في سلاحكم، وآلة حربكم، وأعينوني على ما حاولت وعاهدتموني اليه.

فقالوا: نعم.

فلما كانت تلك الليلة التي يريدون يزفونه إلى الملك، أشهروا أمر هذه المرأة إلى بعلها من النهار، ليعلم الملك بذلك، فيكون متأهبا للخلوة. وعمدوا إلى سليمى وهو إذ ذاك شاب، وكان جميلا حسن الوجه والهيئة، فألبسوه أنواع الحلي والحلل، وقد جدد سكينه وجعله معه في حجرة سراويله، وسار عنده النساء وأنواع الخدم والحشم، يزفونه بينهم، في هيئة المرأة، حتى انتهوا به إلى الملك.

فحين نظر إليه الملك، في الأشماع وضوء المصباح، وهو على تلك الهيئة والجمال، هاله منظره وما رأى من حسنه وجماله. وقد أقبل إليه يرفل في انواع الحلي والحلل، بين الخدم والحشم. فأعجب به، وتيقن أنه المرأة المهداة إلى بعلها. فأوما إلى النساء والخدم بالانصراف، فانصرفوا عنه. وأمر بالأبواب فاغلقت، ورخيت عليه الستور. وبقي هو وسليمة جميعا.

ثم أنه أهوى على سليمة ليقبله ويضمه إليه. فاسترخى سليمة متماثلا عليه حتى إذا تمكن منه أهوى على السكين في حجرة سراويله، فوجأ به الملك في خاصرته اثبتها فيه، ثم أردفه الثانية في لبته، فبعج بطنه. فخر الملك ساقطا على فراشه يخور في دمه خوار الثور.

ثم وثب سليمة من فوره ذلك فلبس درع الملك وبيضته وتقلد سيفه ونظر إلى الملك وإذا فيه رمق الحياة، فضربه بالسيف، فأبان رأسه عن جسده. وبات ليلته على تلك الهيئة، ولا يدري أحد ما عنده. وبات وجوه أهل كرمان، الذين بايعوا ليلتهم تلك في خوف ووجل، لا يدرون ما يكون من أمره.

فلما أصبح وثب إلى الأبواب ففتحها. وخرج إلى حراس الملك وحاميته، فشد عليهم. فلم يزل يجالدهم بسيفه ويقتل من لحق منهم حتى أباد عامتهم، وباب الدرب مغلق عليه وعليهم. ثم تصايح الناس وتهافتوا بالسلاح، ووقع الصريخ، وأقبل إليه جماعة وجوه أهل كرمان، أهل البيعة منهم، وغيرهم من أعوان الملك، في آلة حربهم وخيلهم وعددهم، فعندما أشرف عليهم سليمة من رأس الحصن، وعليه الدرع والبيضة، شاهرا لسيف الملك بيده وهو مخضب بالدم. وألقى اليهم جثة الملك ورأسه.

<<  <   >  >>