وقال لقمان بن عاد: أعطني ربي عمراً، فقيل له: اختر لنفسك إلا انه لا سبيل إلى الخلد فقال: ابقاء أبعاد ضأن عٌفرٍ في جبل وعر، لا يناله القطر أم سبعة أنسر، إذا ما مضى نسر حولت إلى نسر؟ فأختار لقمان لنفسه النسور، فعمر لقمان فيما يزعمون عمر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته فيأخذ الذكر منها لقوته، حتى إذا مات اخذ غيره، فلم يزل يفعل ذلك حتى اتى إلى السابع وكان كل نسر يعيش فيما يزعمون. ثمانين سنة، فلما لم يبق غير السابع، قال اخرج ابن اخ للقمان: أي عم ما بقى من عمرك إلى عمر هذا النسر. فقال له لقمان: أي ابن اخي، هذا لبد ولبد بلسانهم الدهر. فلما ادرك نسر لقمان وانقضى عمر طارت النسور غذاة من رأس الجبل ولم ينهض فيها لبد. وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب عنه، إنما هي بعينه، فلما لم ير لقمان لبداً نهض مع النور إلى الجبل لينظر ما فعل لبد فوجد لقمان في نفسه وهنا لم يكن يجده قبل ذلكن فلما انتهى إلى الجبل رأى نسره لبدا واقعاً بين النسور، فناداه: انهض لبدن فذهب لبد لينهض فلم يستطيع وقد عريت قوادمه وسقطت، فماتا جميعاً.
وقيل لقيْل بن عنز حين سمع ما قيل له في السحاب: اخْتَر لنفسك كما اختار صَاحِبَاك. فقال: أختار أن يُصِيبَني ما أصاب قَوْمي، فقيل له: إنَّهُ الهَلاَكُ، قال: لاأبالي، لاحاجة لي في البقاء بَعْدَهم، فأصابه ما أصاب عاداً من العذاب، فَهَلَك. فقال مرثد بن سعد بن عفير حين سمع من قول الراكب الذي أخْبَر عن قوم عاد بما أخبر من الهلاك. فقال في ذلك شعرا:
عَصَتْ عادٌ رسولَهُم فأمسوا ... عِطَاشاَ ما تَبُلُّهم السماء
وسيَر وفدهم شهرا ليسقوا ... فأردفهم مع العطش العَمَاءُ
بكُفْرِهِم بَربِّهِمُ جهَاراً ... على آثار عَادِهِمُ العفاءُ
فَلاَ رَحِمَ الإ آهُ جُلُودَ عاد ... فإن قلوبهم قَفْرٌ هَوَاء
من الخبر المبين إن يعوهٍ ... وما تُغْنِي النَّصِحةُ والشِّفَاء
فنفسي وبْنَتَاي وأُمّ ولدي ... لِنَفْسٍ نَبِيِّنا هود فداء
أتانا والقلوب مضمرات ... على ظُلِم وقد ذهب الضَّياء
لنا صنم يقال له صَمْودٌ ... يقابله صداءً والهباء
فأبصره الذين له أنابوا ... وأدرك من يصدقه الشقاء
فإني سوف ألْحَقُ آل هودٍ ... وإخوته إذا جَنَّ المَسَاء
ذكر نَبِيِّ الله صالح عليه السلام
قال وهب: إن الله تعالى بعث صالحاً حين راهق الحُلُمَ وكان رجلا أحمر إلى البياض. سبط الشعر، وكان يمشي حافيا، ولايتخذ حذاء، كما يمشي المسيح، ولايتخذ مسكنا ولا بيتا، ولا يزال مع ناقه رَبَّهِ حَيْثُ توجَّهت، وهو صالح بن عبيد بن أنيف ابن ماشخ بن عبيد بن جائر بن ثَمُود بن عابر بن إرم بن سام ابن نوح: فبعثه الله تعالى إلى قومه وهو غلام، وكان بينه وبين هود فترة خمسمائة سنة، وكانت منازل قومه الحِجْر وبين الحجر وبين القرح ثلاثة عشر ميلا، وقرح: وادي القرى.
وكان الله عزَّ وجل بعث صالحا إلى قومه من ثمود حين كفروا نعمة الله وأظهروا الفساد في الأرض، وعَتَوْا عن أمره. وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القُرى بين الحجاز والشام. وكان الله أمْهَلَهم في الدنيا، فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من الممَدرَ فيتهدم والرجل منهم حَيَّ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بُيُوتْاً فَرِهِين، فنحتوها وجابوها وجوفوها، وكانوا في سعة من مَعَاشِهم. فلما أهلك الله تبارك وتعالى قومَ عاد الذين كَاَنَ المُلْكُ فيهم وانقرضوا ولم يبق لهم نسل تَحَوَّل المُلْك من بعدهم إلى قَحّطَان بن هود بن عبيد الله شالخ بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عَوْص ابن إرم بن سام بن نوح وولده وَهُم بنو عمهم.