وليس هو بعار ولا بعيب أن يكون الصَّبَّاح إلى ملك الحبشة، ليس إن ملك الحبشة تزوج إليه، وكان الصباح بن لهيعة صاحب أمره لا يقطع أمرا دونه، ودون مُضَارب بن سعد اليحصبي، وكان مضارب من جلاس أبرهة يبره ويهدي إليه وكان من خيرة حمير أيضا، وكان كذلك عبد الله بن عمرو أيضا، وكان المستحوذ على أمر أبرهة الصبّاح وعبد الله بن عمرو، والمضارب ابن سعد، وعَتْوَدَة بن الحبنزي، فهؤلاء كلهم من حمير.
وكان لا يقيم أحد بالسهل إلا وهو مُوَادَعِ لأبرهة، فلما علا أمر عَتْوَدة بن الجنزي - وإنما كان رجلا من حمير ليس هو من أهل بيت شرف منهم - فخطب إلى رجل من أهل بيت المملكة من حِمْيَرَ ابنته، فرَّده الرجل، فوجد عَتْوَدة في نفسه وتهدد الرجل لذلك، فلم يزل الشرّ بينهم حتى خرجوا بالسلاح - أهل بيت أبي الجارية وأهل بيت عَتْودة - فاقتتلوا فضَرب عتودة رجلٌ من أهل بيت أبي الجارية فقتله، وبلغ أبرهة فقال: يا معشر العرب. ما كنت لأفيما بينكم، بعضكم أولى ببعض.
وزعم قوم أن أبرهة كان له باليمن صولة وسطوة. وليس الأمر عندنا كذلك، لأنه لو كان كذلك لقاتله اليمن عن أنفسهم وبلادهم كما قاتلوا عن البيت الحرام لما أراده، فهم كانوا لأنفسهم وبلادهم أشدَ منه للبيت، لأنهم كانوا كُفَاراً، وإنما كانوا يقاتلون حمية وأنفا، ولكنهم كانوا يوادعون له من كان منهم مقيما بالسهل، وكيف يكون أيضا كما قالوا وهو يزوّجهم بنّاته ويتخذهم ندماء وأصحابا لا يقطع أمراً دُونَهم.