ثم نظمت. بعد تصنيف فنون أجناس علم الأنساب. أسماء ملوك الدنيا من لدن آدم عليه السلام إلى سنة ثلاثمائة وخمس وأربعين من تاريخ الهجرة، هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وتاريخ أعمارهم، مثل التبابعة، وملوك الطوائف، والفرس، واليونانيين، وملوك كِنْدَة ولخم وغسّان، واسماء الخُلَفَاء وأعمارهم، إلى مثل ذلك التاريخ وأسماء المبتدعين للأشياء، وأضفت إلى ذلك أسماؤهم من أسماء الطَّيْر والسِّباع والهوام والنبات والصفات، لأن هولاء الذين هذه أسماؤهم من هذه القبائل التي ذكرنا في صدر نظمنا، فمتى ما رأيتَ اسمَ أحدهم فرفته وقبيلته، ومن أي بطن هو، أو فخذ، أو فصيلة فليستعن بهذا الكتاب عن طَلَبِ ذلك في غيره، وليستكمل الديوانُ الاسمَ الذي به سَّمْيَناه، ويتمّ على الحسب الذي لذلك نظمناه، والله المعين والموفق، وهو نعم المَوْلى ونعمَ النصير، وصلى الله على سيدنا محمد النبيّ وآله وسلم تسليما كثيرا.
[باب تشعب ولد نوح عليه السلام]
قد تقدم من الشرط في هذا النظم ألاّ نذكر من أنساب ما فَوْق قَحْطَان وعَدْنان للأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وعن أصحابه والتابعين منهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين.
وإنما وجه تلك الأحاديث وخروج معانيها. والله أعلم أن كل نسب إلى فوق هذا فإنما أَتَى عن غَيْر العرب، فكَثُر الاختلافُ فيه، وكل نسب دون قَحْطان وعَدْنان فإن العرب يحفظون ذلك، تَحَفُّظَهم أرواحهم ما لم تتَحَفَّظُه أمة من الأمم، حتى إن الرجل لَيَعِّمُ ولده ونسبه كتَعْلِيِمه بَعْضَ مَنَافعه، وهو فعلهم من قديم الدهر، لئلا يدخل الرجل منهم في غير قَوْمِه ولا ينتسب إلى غير نسب قبيلته، حاطوا بذلك أحْسَابَهم وحَفِظُوا بِهِ أنْسَابَهُم، ولا نرى في ذلك نَسيئَّة، فمن أجل ذلك كلُّ ما كان فوق قَحْطَان وعدنان فإنما هو يُتَخَرصَّ.
وقد روى عن سعيد بن المسيب أنه قال: ولد نوح أربعة، سام وهو أبو العرب وفارس والروم، ويافث أبو يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، وحام وهو أبو البَرْبَر والقِبْط والسُّودَان، ويام وهو الذي قال) سَآوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الْمَاءِ (.
وروى ابن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لَمَّا رَقَدَ نوحٌ في السفينة انكشَفَتْ عَوْرَتُه فنظر إليها أهلُ السفيَّنَة فاستَحْيَوا أن يَسْتُرُوه، ولم يَجْسِر عليه أحدٌ بذلك لَمِكَانِهِ من الله عزّ وجل، ونظر إليه ابنهُ حام فضَحِكَ ولم يستره، فلما نظر إليه ابُنه سام قام فستره وسوَّى عليه ثيابه، فأوحى الله إلى نوحٍ بذلك، فقال نوح لحام: ياحام نظرتَ إلي عُرْيَاناً فلم تسترني وقد بدت عَوْرَتِي إلى الناس!! كشف اللهُ عَوْرَتَك وعورةَ وَلَدِك من بَعْدِك، وجعلهم عُرْياً يكونون ما بقي منهم أحد واذلهم الله لَوِلَد سام، وجعل الله النبوة والكتابَ والمُلكَ في ولد سام إلى يوم القيامة. فاستجاب الله له، فلم يجعل من وَلَدِ حامِ ولا يافث نَبِياً، ولا يجعله إلى، يوم القيامة.
قال ابن الكلبي: فمن ولد سام طَسْمٌ وجَدِيسٌ وجُرْهُمُ والعَّماليقُ وقَنْطُورَا وأرش والعَرَبُ والرومُ وفارسُ وخُراسَان والنّسنْناس.
ومن ولد يافث: يأجُوج ومأجوج والترك والصَّقَالبة واللاّن والأشيان والطاريند وتارش وسوانيد وتاويل وبتاويل.
ومن ولد حام: السِّنْدُ والهِنْدَ والزَّنْجَ والحَبَشُ والسُّودَان والبَجّةُ والنُّوبَةُ والزُّط والقِبْطُ والبَرْبَر.
ورُوِيَ عن وهب بن مُنَبِّه أنه قال: إن الناس كلّهم انتشروا من ولد سام وحام ابني نوح عليه السلام، فولد لسام بن نوح أرْفَخْشَذ وإرَم وعُويلم وآشور.
فأما عويلم فهم الأَهْوَاز والسَّوس واما اولاد آشور فهم أهل الجزيرة الجرامية ومن معهم من أهل الجزيره. وأما ولد إرَم فَطَسْمٌ وجَدِيسٌ وعَوْص وجاثر ولاوذ وماش.
فولد عَوْضُ عاداً وعبيلا ابني عَوْص بن إرم بن سام بن نوح. فسار عاد بولده يريد الأحْقَاف وهو يقول:
يا قوم جيبوا صوت ذا المنادي ... سيروا إلى الأرض ذي الأطواد
إني أنا عادُ الطويلُ النادي ... وسام جَدِّي ابنْ نوح الهادي