للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما ارتفع الداء وتخم الوباء، وعاد بنو الخيلل بن حبشية يطلبون إلى اخنهم المفاتيح، فامتنع بها قصي بن كلاب والاده وثبتت في ايديهم، فعزمت خزاعة على حرب قصي، وكلم قصي رجلا من قريش وبني كنانة، وقال لهم ان البيت مأثرة وزمزم سقي إسماعيل، وانما الغيب امرها عن الناس إذ سكنها غير ولد إسماعيل ان يظهرها الله لهم، كما سقاها جرهم، ثم دعاهم إلى اخراج خزاعة وبني البكر من مناة بن كنانة من مكة، فأجابته قريش وبنو كنانة إلى ذلك، وزاعانه على ذلك اخوه رزاح بن ربيعة بن حزام العذري، واستنصر قومه ولده عذرة وقبائل ققضاعة، فأجابوه ونصروه، حتى صارت في ايدي قصي وولده إلى يومنا هذا.

وانما اخرج الله مكة من يدي خزاعة، لما كثر بغيهم وظلمهم، كما اخرج جرهما والعماليق من قبلهم، وكانت مكة في الجاهلية لا يقر فيها ظال ولا باغي، ولا يبغي فيها الا اخرجته، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها الا اهلك مكانه. وكانت العرب تسميها الباسة.

قال هشام الكلبي، واخبرني ابو عبيدة، ان بكة، اسم لبطن مكة لانها يباكون فيها، أي يزدحمون فيها. كما في الشعر:

إذا الشريب اخذته اكة ... فخله حتى يبك بكة

ويقال انما سميت بكة، لانها كانت تبك اعناق الجبابرة، إذا احدثوا فيها بظلم، وكان كل من ظلم صام شهر رجب، ثم تقدم إلى الكعبة في آخر الشهر، فيدعو على ظالمه، فينتقم له من ساعته، فيمتنع الناس من الظلم بعضهم لبعض، فانما انقطع هذا في الاسلام لأن المسلمين قد آمنوا بالبعث والجزاء في الآخرة، فأخر الله لهم الانتفام منهم ليكف ظالمهم وتتمنع ملوكهم وأقويائهم م ظلم ضعفائهم لئلا يكثر في الارض الفساد، وذلك تقدير العزيز العليم.

[ولد جليل بن حبشية]

كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة بن عبد تميم بن جليل بن حبشية، وهو الذي اقتفى اثر النبي صلى الله عليه وسلم، حين انتهى إلى الغار، الذي استخفى فيه، فرأى عليه نسج العنكبوت، وراى دونه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفها، وقال هذه قدم محمد ومنها انقطع الاثر، وهو الذي كتب معاوية، وهو إذ ذاك إلى عامله بالمدينة يأمر ان كان كرز حيا يكلفه اقامة معالم الحرم لمعرفته بها. وكان معمرا فأقامهم عليها، وهي مواضع الانصاف.

[٢ - بنو كعب]

عمرو نب سالم الكعبي، ويقال المليحي، ومن بني مليح بن عمرو بن ربيعة بن لحي. وهو الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الىالمدينة يشكو اليه من قريش وبني بكر بن كنانة، وكان سبب ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم الحديبية: من كان على دين الله ودين رسوله، وحلف بيته، فليقم فقامت خزاعة لله ورسوله. وكان على عهد الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ان لا يغادر على حلفائه. وقيل في ذلك الوقت من كان على عهد قريش وعقدهم فليقم، فقامت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم. فبينما نفر من خزاعة، بعد ذلك، ونفر من بني بكر جلوسا، إذا انشد رجل من بني بكر قاله في النبي صلى الله عليه وسلم.

والبكري الذي انشد هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، انس بن أبي زنيم الديلي، فغضب لذلك رجل من خزاعة، فقام إلى انس فلطمه، واستجاش البكريون، فانحازت خزاعة إلى بشر بن سفيان بن عمرو بن عديم بن صرمة بن عبد الله بن عمير بن حبشية بن سلول فاغار على بني الدليل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، واصابوا غنائم فبهث بها بشر بن سفيان يبيعها بمكة.

وكانت خزاعة لما اغاروا على الدليل قتلوا: سلمى بن نوفل سيد كنانة، وذؤيب بن كلثوم في قتلى كثيرة من بني الدليل، واقبلت بنو كنانة النفر من خزاعة بمكة فقتلوا منهم قوما، وانحاز الباقون إلى دار بديل بن ورقا الخزاعي. وهذه رواية أبي عمرو الشيباني.

واما غيره فيقول: لما اصابت خزاعة من بني الدليل، ما اصابت خرج عمرو بن معاوبة الديلي، حتى ثبت خزاعة في جماعة من قومه على الوبير فأصاب منهم رجلا ورفده قوم من قريش مستخفين بالسلاح، فاستجاشوا مع الكنانيين على خزاعة فنشبت الحرب يبنهم. وكان الخزاعيون نفرا قليلا فنالوا منهم جراحات وقتلوا منهم رجلا، وقد كانت الهدنة التي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>