فأجاب إلى الاسلام، هو وأخوه في ساعة واحدة، ثم بعث إلى وجوه عشائره فبايعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وأدخلهم في دينه، وألزمهم تسليم الصدقة. وأمر عمرو بن العاص بقبضها، فقبضها على الجهة التي أمره بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعث جيفر إلى مهرة والشحر ونواحيها، فدعاهم إلى الاسلام، وأعلمهم بالاسلام، فأسلموا معه. ثم بعث إلى دبا وما يليها إلى آخر عمان.
فما ودر رسول جيفر إلى أحد الا وأسلم واجاب دعوته، الا الفرس الذين كانوا في ذلك العهد بعمان. واجتمعت الازد إلى جيفر بن الجلندي. وقالوا: لا يجاورنا العجم بعد هذا اليوم، واجمعوا على إخراج مسكان ومنكان معه من الفرس. فدعا جيفر بالمرازبة والأساورة الذين بعمان، فقال: إنه قد بعث منا في العرب نبي، فأختاروا منا إحدى الخصلتين: أما ان تخرجوا عنا، وإما نقاتلكم.
فأبت الفرس إلا القتال، وتعبأت لحرب الازد، فعند ذلك اجتمعت وتعادهت وتعاقدوا وساروا إلى مسكان وأصحابه من المرازبة والاساورة، فحاربوه فقتلوه هو وكثير من اصحابه وقواده بعد رحب شديدة. ثم احتصن بقية اصحابه في مدينة دستجرد بصحار، وهي مدينة ابتنتها العجم بعمان. فلما طال بينهما القتال دعو أهل عمان إلى الصلح، فأستنزلهم على ان يعطوا أهل عمان كل صفراء وبيضاء وحلقة وكراع، ويحملوهم بأهاليهم وحاشيتهم في سفينة حتى يقطعوا إلى ارض فارس، فاجباوهم إلى ذلك وأخرجوا الفرس من عمان إلى فارس.
واستولت الازد على ملك عمان. وقال شاعر الازد في ذلك، وهو ثابت بن قطنة العتكي:
ألم تنبئك عن سكانها الدار ... وعندها من بيان الحي اخبار
كأنهم يوم راحو تاركين لها ... من حدهم بجناحي طائر طاروا
صادفت مسكان وسط النقع متجدلا ... اثوابه بعد تاج الملك أطمار
ويل امه فارسا ما هو يعنبله ... كانما نظاره في الوغى نار
بقية من سراة الأزد يقدمهم ... رئيس صدق إلى الروعات كرار
لا هم ضعاف ولا ازرى بهم خور ... عند الطعان ولا عزل وأغمار
إذا أقول لهم والحرب ساطعة ... والموت يكره سيروا نحوه ساروا
نحن العتيك مضاض الناس قد علموا وفي القبائل آساد وأحرار
قوم نعز ولا ترجى ظلامتنا ... ولا يكون أكالي بيننا الجار
من كان فيه من الاحياء مختلف ... فنحن لا عيب فينا ولا عار
والله يعلم والاقوام قد علموا ... أنا لنصر إذا ما معشر جاروا
وحدثني من لا اتهم ان الازد ... كانوا بعمان مع الفرس يتهادنون
فلما جاء رسول الله إلى عمان اجابوا دعوته. وعرضوا على الفرس الاسلام، فأبي من ابى. ودعو انفسهم إلى التسليم فخرجوا من عمان.
وخلوا اموالهم وهذه الصوافي. وبقي احوال من خرج من عمان من الفرس.
[الباب الرابع]
[أيام العرب وأخبارهم ووقائعهم]
[١ - يوم سلوات]
خبر انتقال مالك بن فهم الأزدي، وخروجه إلى عُمان وحربه الفرس، وما كان من شأنهم، وشأن انتقال الأزد اليه
قال الكلبي: كان أول من لحق بعمان من الأزد، مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب ابن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.
وكان سبب قصة خروج مالك بن فهم الأزدي، ثم الدوس عن قومه إلى عمان، انه كان له جار، وكان لجاره كلبة، وكان بنو أخيه عمرو بن فهم ابن غانم يسرحون ويروحون على طريق ذلك الرجل. وكانت الكلبة تنبحهم وتفرق غنمهم، فرماها رجل منهم بسهم، فقتلها. فشكا جار مالك إليه ما فعل بنو أخيه، فغضب مالك. وقال: لا أقيم ببلد ينال فيه هذا من جاري. ثم خرج مراغما لأخيه عمرو بن فهم، لما كان من بنيه إلى جار مالك وبني أخيه.