ثم جاء بهبل من أرض هيت إلى مكة، وقال للعرب ان أساف ونائلة، انما أوقفهما إبراهيم واسماعيل أساف ونائلة، فأطاعت العرب أمره، وكسا من كل حج تلك السنة ثلاثة أثواب، من برود اليمن؛ فحمدت العرب فعله، ورضيت امره. وكانت جرهم قد حلت لأساف ونائلة بين الصفاوالمروة فوقفهما تجاه الكعبة عند موضع زمزم، لا نعرف لان العماليق لما أحسوا بغلبة جرهم ردمت زمزم وطمست آثارها وكانت تذبح بين أساف ونائلة من كانت عليه ذبيحته، وجعل هبل في جوف الكعبة يقتسمون عنده باللازلام.
ولم يزل عمرو بن لحي يلي بالبيت وولده من بعده كابرا عن كابر، وأولا عن آخر خمسمائة سنة، حتى كان آخرهم جليل بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن لحيّ فعمرو بن ربيعة لحيّ، هذا ومن ولده اكثر بطون خزاعة. وفيه وفي ولده كانت السدانة.
[كعب بن عمرو بن ربيعة]
فأما كعب بن عمرو بن ربيعة بن لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فولد خمسة نفر سلول بن كعب، وحبشية بن كعب، وسعد بن كعب، والحارث بن كعب، ومازن بن كعب.
وسلول: فعلول. أما من السلة وهي السرقة، واما من قولهم سللت الشيء من الشيء، اسله سلا. ويقولون في بني وفيك أي سرقة وسليل الرجل ولده وهو السلالة ايضا، والسال مسيل ماء دقيق والجمع سلال. وفي نسخة سال سلان مثل عال علان، والاسل الرماح شبهت بنبات الأسل المعروف في الآجام، وحبشة حزب من النمل الكبار.
فأما سلول بن كعب، فمنهم جليل بن حبشية بن سلول بن كعب. وجليل: أما تصغير جل. أو تصغير أجل وهو المسترخي العصب من القوم في الدواب، فرس أجل، والخلط القوم المجتمعون في محلتهم، والحلال ضد الحرام، وأحل المحرم إحلالا، وحل المكان حلولا، وحل الدين محلا، وحللت العقد حلا.
وكان لجليل بن حبشية، سدانة الكعبة، ومن بعده رجعت سدانة الكعبة إلى قصي بن كلاب، وولده، وذلك ان قصي بن كلاب تزوج حتى بنت جليل، وكان آنذاك سدانة البيت إلى قصي بن كلاب وولده، والبيت بيد جليل بن حبشية، فلما حضرته الوفاة جعل ولاية البيت إلى ابنته حتى، فقالت: لا أقدر على فتح البيت واغلاقه، فجعل معها ابا غبشان، واسمه: سليم بن عمرو، ويقال المحترش بن عمرو بن ثور بن ملكان بن اقصى بن خزاعة، وكانت حتى ربما اشتغلت في بعض اشغال النساء، تدفع مفتاح البيت إلى قصي فيفتحه، فلم يزل كذلك حتى ولدت من قصي: عبد الدار وعبد مناف، وعبد العزى.
فلما كثر ولقد قصي وكثر ماله، وعظم شرفه رأى انه اولى بأمر الكعبة من خزاعة، وقد كان اولاد جليل بن حبشية الذكور قد ارتحلوا من مكة إلى مر الظهران فرارا من وباء قد وقع بمكة، وكان جليل بن حبشية قد تخلف مفردا مع ابنته حتى زوجة قصي، فحضرته الوفاة وهو معها، ولم يكن احد من اولاده الذكور حاضرا معه فلأجل ذلك اوصى إلى ابنته حتى، ودفع اليها مفاتيح الكعبة، وجعل عندها اباغيشان معينا لها على فتح البيت وغلقه، وقال لها: إذا إذا رفع الله هذا الوباء ولم يبقى داء فابعثي إلى اخوتك فادفعي هذه المفاتيح الهم ليكونوا مكاني. فلما مات ورجع امر حتى إلى زوجها قصي بن كلاب، وكثر ولده وطال التنحي بولد جليل بن حيشية. ورأى قصي انه اولى بامر الكعبة من خزاعة، فقال عند ذلك قصي، لعبد الدار ولده وهو ابن حتى، وكان اكبر ولده: يا بني لو سألت امك ان تصير اليك مفاتيح الكعبة فتكون في يدك، فإذا رجع اخوالك اخوتها رددت ذلك اليها، فسلمته اليهم. فسألها ولدها عبد الدار ذلك ففعلت له، واجابت ذلك، ودفعت اليه المفاتيح، ثم ان قصيا جعل يتلطف لابي غيشان وختدعه حتى اشترى منه ما كان له من معاونة حتى فثبتت في اديهم غدرا واختداعا.
ففي ذلك يقول بعض شعرائهم ينفي الظلم عن قصي بن كلاب:
ابوغبشان اظلم من قصي ... وأظلم من بني فز خزاعة
فلا تحلوا قصيا من شره ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه