ان كسرى سمى عمان مزونا ... ومزون يا صاح خير بلاد
بلدة ذات مزرع ونخيل ... ومراع ومشرب غير صاد
قال، ونزلت قبائل الازد تنتقل إلى عمان، حتى كثروا بها، وقويت ايديهم واشتدت شوكتهم، وتظاهر بعضهم إلى بعض. لم نذكر من مصاهرتهم ومناسبتهم شيئا لطوله. ثم انهم ملأوا عمان فانتشروا منها حتى نزلوا البحرين، وهجر، وفي ذلك يقول شاعرهم، وهو عامر بن ثعلبة، حين نزلوا عمان:
ابلغ ابيدة اني غير ساكنها ... ولو تجمع فيها الماء والشجر
ولا اقيم بذي الاحقاف من طربى ... كما تروح إلى اوطانها البقر
ولا اقيم بقملى لا افارقها ... كما يناط بخنب الراكب العمر
من بارض عمان سادة رجح ... عند اللقاء وحي دارهم هجر
فالازد، اول من نزل بعمان من العرب، بعدهم سائر الناس. وذكر آخرون ان نزار كثرت بناحية البحرين.
[اولاد مالك بن فهم]
[١ - سليمة بن مالك]
" خروجه وولده " حديث سليمة بن مالك بن فهم حين قتل اباه وخروجه إلى ارض فارس وكرمن وما كان من شأنه قال مكان من حديث سليمة بن مالك بن فهم الازدي، وقتله اباه ان اباه مالكا لما استولى على ملك عمان والعراق، وحاز اطرافها وما حولها، كان بنزل ما بين شط عمان إلى ناحية اليمن وكان ينتقل إلى ناحية اخرى. وكان بينه وبين ملوك اليمن تنافس وتحاسد. إلى ان طمع احدهما في ملك الاخر. وقد اختلفت الرواية في ذلك.
وكان مالك بن فهم قد جعل على اولاده الحرس بالنوبة، في كل ليلة على رجل منهم مع جماعة من خواصه وامنائه من قومه الازد. وكان احظى ولد مالك اليه واقربهم، ابنه سليمة. وهو اضغر ولده. فحسد اخوته مكانه من ابيه، وجعلوا يطلبون له زلة عند ابيه وقومه. وكان مالك يعلم سليمة في صغؤه الرمي بالسهام إلى ان يعلم وكبر، واشتد عضده، فكان يحرس كأحد اخوته بالنوبة. وان اخوته لما بلغ حسدهم له مكانة عند ابيه، واقبل نفر منهم إلى ابيهم. فقالوا: يا ابانا انك قد جعلت على جماعة اولادك الحرس بالنوبة، وما احد منهم الا قائم بما يليه، ما خلا سليمة، فانه اضعف همة، واعجز منه، وانه إذا جنه الليل في ليلة التي تكون نوبته من الحرس يعتزل عن فرسان قومه، ويتشاغل بالنوم والغفول عما يلزمه، فلا يكون لك فيه كفاية ولا معني.
وجعلوا يوهنون أمره عند أبيه، وينسبونه إلى العجز والتقصير. فقال لهم مالك: إنكم لكذلك، وما أحد منكم الا وهو قائم بما يليه. واما قولكم في ابني سليمة بما قلتم، فليس هو كذلك وان ظني فيه كعلمي، ومذ لم تزل الاخوة يحسد بعضهم بعضا لإيثار الآباء بعضا دون بعض. فانصرفوا من عنده راجعين بغير ما كانوا يأملون في أخيهم سليمة.
ثم ان مالكا دخله الشك فأسر كل منهم ذلك في نفسه. إلى ان كانت الليلة التي كان فيها نوبة إبنه سليمة. وقد خرج سليمة في نفر من فرسان قومه يحرسونه في العادة، إلى ان جنهم الليل. ثم اعتزل عنهم المكان الذي يكمن فيه بقرب دار ابيه.
فبينما هو كذلك، إذا أقبل مالك بن فهم من قصره في جوف الليل، س مختفيا من حيث لا يعلم به أحد، قاصدا، يريد ابنه سليمة إلى ذلك الموضع، لينظر انه كما القى اليه ولده عنه ام لا. وكان سليمة في ذلك الوقت قد لحقته سنة، فأغمض على ظهر فرسه، وهو متنكب كتانته، وفي يده قوسه، وهو على ذلك الحال إذا اقبل مالك بن فهم في سواد الليل قاصدا نحوه فحسب الفرس حس مالك ورأت شخصه من بعيد وهو متنكر، فصهلت الخيل. فانتبه سليمة من سنته تلك مذعورا. ونظر إلى الفرس وهي ناصبة أذنيها نحو شخص مالك وحسه، ففوق سهمه في كبد قوسه، ويممه نحو شخص مالك وهو يعلم أنه أبوه.
فسمع مالك صوت السهم، وقد حشق في القوس حين أرسله نحوه. فهتف به: يا بني لا ترم أنا أبوك. فقال سليمة يا أبت قد ملك السهم قصده. فارسلها مثلا. فأصاب السهم مالكا في قلبه، فقتله. فقال مالك حين أصاب السهم من ابنه سليمة هذه القصيدة، ونعى نفسه فيها إلى القبائل بأرض اليمن وذكر مسيره الذي ساره من أرض السراة، وخروجه من برهوت إلى عمان، وما كان من شأنه:
ألا من مبلغ أبناء فهم ... بمالكه من الرجال العماني