قال عبيد بن شربة: ثم ملك تُبّع بن حسان بن ذي معاهن ابن تبع الأسعد، فهابته حمير والعرب هيبةً شديدة، فبعث بابن أخته الحارث بن عمرو المقصور بن حُجر الكندي وهو جد امرئ القيس الكندي، فملكه على مَعّدّ، وسار هو إلى الشام حتى أعطته غسان طاعتها، ووطيء العَرَب حتى أشتد ذلك منه فيها، وقتل له: أرفق بربيعة جندك، فإنهم عَضُدَك وعضدَ مَنْ بعدك. قال: ومن ربيعة؟ ليست إلا قوم مي قال: فإن ألهك قد أمرك بذلك. فلتكن منهم وليكونوا منك. قال: ما أريد أن يكون سوى قومي أُزْر. قال: بلى أتخذهم دون المعاشر، ما استقل في السماء طائر، فإنك بذلك مأمور، فاحذر من المعصية التغيير. فبعث إلى سادة ربيعة فعَقَد الحلفَ بينهم وبين اليَمَن، وكنت بينهم في ذلك كتابا، ووضعه في صندوق ودفنه في خليج من البحر، وأجرى عليه الماء، وفي ذلك يقول عوف بن ربيعة:
إلا يا خير خلق الله ... تبع بن حسان
وابن التُّبَّع الأسعد ... أو التُّبَّع ذي الشن
وابن السادة الأخياء ... رو الفكاك للعالي
أبيت اللعن أنت المَلْك ... من أولاد قحطام
وأهل السؤود الأقدام ... مجدا غير بهتان
ملوك الناس والسادة ... في أوّل الأزمان
أتيناك بحلف نبتغي ... في خير جيران
فكنت المرتضى علما ... وكنت الهادم الباني
وَرِثْتَ المجد عن جدل ... قدما قبل لقمان
فقد آمن منا الشرّ ... عقلاك الوثيقان
وكان ملكه ثماني وتسعين سنة. وفي نسخة أخرى ثماني وسبعين سنة.
ملك مرثد بن عبد كلال بم مُثَوّب الرعيني
قال عبيد بن شربة: لما هلك تبع الأصغر بن حسان استخلف بعده مَرْثِد بن عبد كُلالَ بن مثوب الرعيني، وهو أخو تُبّع هذا لأمه، وكان ذا رأي وبأس وجود، فنطقت حمير في ذلك وقالوا: لانرضى، هذا حسان بن تبع ابن حسان هو وإن كان غلاما. فهو أحق بالملك من بني مثوب حتى كاد أن يقع بينهم الشر، ثم جيء بالغلام حتّى سلم لِعَمِه المُلْك، وكان ملك مرثد بن عبد كلال إحدى وأربعين وسنة.
[ملك وليعة بن مرثد بن عبد كلال]
قال عبيد بن شربة: ثم ملك بعده ابنُه وليعةُ بن مرثد بن عبد كلال، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وكان فيما يذكرون. من أعقل رجال اليمن وأحسنهم تدبرا. قال معاوية: لم أسمع لوليعة ذكرا، فهل تَرْوِي في قصته وأمره شعرا: فإن ديوان العرب؟ قال: رثاه جعفر الأحوص بن جعفر بن كلال إذ يقول:
وليعة إمّا تُمْسِ في اللحد تثاويا ... عليك مَسَافي التُّرْب في البلد القفر
فقد عشتَ محمودا ومتَّ مُرَزَّاً ... إليك معد في الأمور معا تقدي
تفك أسارها وتعطى جزيلها ... زتعفو عن السوء وتسمح بالوفر
فبكى معد خير رب علمته ... فنعم مليك الناس كان أبو نصر
فلستَ بمكفورٍ لَدَى وإن لوى ... بك الدهرُ بالمراثي وبالشكر
وملك تسعا وثلاثين سنة.
[" ملك حسان بن عمرو بن تبع الأصغر بن حسان ذي معاهن بن تبع ايسعد "]
قال عبيد بن شربة: ثم رجع الملك إلى ولد تبع الأسعد فملك حسانُ بن عمرو - وكان من خيارهم - وهو الذي أوقع ببني عامر بن صعصعة فأصاب منهم أسرا وسبى سبيا، فوفد عليه خالد ابن جعفر بن كلاب في بني ربيعة وهوازن وخالد متقدمهم، وكان خالد: قصير القامة، فقال له حسان قدموك وأنت أقصرهم قامه - فقال خالد: قصير إنه يرتفع الرجل بأصغرية قلبه ولسانه. فقال له: قومك أعلم بك. ثم شفَّعة فيمن شفع ومنّ عليه بإطلاق أسارى قومه، ورَدَّ عليهم سَبْيَهُم، وأكرمهم فقال فيه خالد بن جعفر بن كلاب شعرا:
فِدّى لأخي المقاول حيث أمسى ... نَبِيّ وما أقلّ الفعل مني
كساني حُلَّة وحبا جناحي ... كريم لا يكدره بمنّ
وفكَّ عشيرتي وأفاد حمدا ... وكان من المكارم حيث ظني
لقد جاوزت نحوك يابن عمرو ... بلاد مخوفة إنس وجن
فلن أَنْفَكَّ ما عَّمرتُ أهدى ... ثناءً طيبا في كل فن