ولم تغسل جماجمهم بغسل ... ولكن بالدماء مُرَمَّلِينا
في شعر طويل فمات الحارث الملك في أرض كلب بعد ذلك بمُدّه يسيرة، ثم رجع بنوه من بعده حين ملكوا على القبائل التي كانوا عليها، فلم يزل أمرهم على ذلك حتى بغي بعضهم على بعض - وتحاسدوا واختلفت كلمتهم، وأراد كل واحد منهم ملك أخيه يضمه إلى ملكه، وبعث شرحبيل بني تميم فأغاروا على مُلك سلمة، وهو ملك على تغلب وبكر ابني وائل، فأتوا بأفراس وغنموا - ثم يزالوا يتعازون حتى زحف شرحبيل إلى سلمة، وقال شرحبيل لبني تميم: لا عليكم أمر تغلب وبكر: فو الله إن ألقى بمائة أعزال من تميم أحبّ إلي من أن بمائة من تغلب شاكين في السلاح، فساروا حتى التقوا بماء يقال له الكلاب كل واحد منهم: أيكم يأتيني برأس أخي فله مائة من الإبل، فاقتتلوا شديدا، فانهزمت بنو تميم، فصاح بهم شرحبيل: ويلكم يا بني تميم: فلم عليه أحد منهم، فنزل يقاتل حتى قتل، فجاء أبو حنش التغلبي إليه وندم وأكب الأرض. فلما رأى أبو حنش ما به من الحُزْن على أخيه خاف منه فهرب ساعته. وفي ذلك اشعار، فمن ذلك قول قيس بن الحارث يرثى أخاه شُرحبيل:
ألا قَبَح الله البَراجم كلَّها ... وقبح يَربْوعاً وقبح
فما حاربوا عن ربهم وربيبهم ... ولا آذنوا سِلْما فيرجع
في شعر طويل، فلم يزل أمرهم كذلك حتى أصاب سلمة بن الحارث ومات، وغدت بنو أسد فقتلت حُجْر بن الحارث غدراً، وهو أبو امرؤ القيس وكان ابنه امرؤ القيس غائبا، فقتل امرؤ القيس من بني أسيد خلقا كثيرا لقتلهم أباه، وأفنى منهم قبيلتين، حتى كان من امرئ القيس وخبره عند ملك الروم ما كان، ولذلك حديث يأتي بعد هذا إن شاء الله.