فأما عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث بن قيس، وكان من خَبَره وخلعه لعبد الملك بن مروان وخروجه على الحجاج: كان ولَّاه سجستان فخلع عبد الملك بن مروان وأتَّبعه أهل العراق: قراؤهم وعلماؤهم. منهم الشَّعبي - وهو عامر ابن شراحيل - ومنهم سعيد بن سيَّار أخو الحسن البصري. ومن أشبههم. وغلب على البصرة والكوفة، وقاتل الحجاج مُدة طويلة، ثم أنهزم والتجأ إلى أرتبيل التركي، فبذل فيه الحجاج مالاً كثيرا، فغدر به أرتبيل التركي وسلَّمه إلى رُسُل الحجاج، فلما صاروا بالرَّي باتوا على سطح حِصن مرتفع، وكان قد قُرِن إلى رجل من بني تميم بسلسلة في أيديهما. وكان يمّر وهو أسير، فلما كان في بعض الليل قال للتميمي: قم معي لأبول. فلما قام معه أشرف من السطح إلى الأرض وجمع ثيابه عليه فقال له التميمي: ما تصنع أيها الأمير؟ قال: الساعة أعلمك. ثم رمى بنفسه فوقع هو والتميمي، وحُمل رأسه إلى الحجاج. وفي قصته هذه يقول أبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد الأزدي في مقصورته شعرا:
وابن الأشج الفيل ساق نفسه ... إلى الرَّدى حذار إشمَاتِ العِدا
وابن الاشج يريد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدى كرب الكندي، وكان قيس بن معدى كرب يُسمى الاشج، وقال أعشى همدان:
بين الاشج وبين قيس باذخا ... بخٍ بخٍ بوالده وبالمولود
وكام لملوك كندة وحمير، وملوك بني عمرو بن عامر إمرة وعلامة يُعرفون بها دون غيرهم من قبائل العرب، وذلك أن العرب كان يصيبهم داءٌ يقال له داء الكلب، وإنما سمى الكلب لأنه كان يعرض عن أصابه ذلك الداء نباح وعضاض كما تنبح الكلاب وكما تعض، فسمي بذلك كلبا، وكذلك العرب إذا أصاب احدهم ذلك فيقطر له من دمه فليعقه فيبرأ من ذلك الداء. وان رجلا أتى الأشعث بن قيس الكندي في حياته بالكوفة فقال: يا أبا محمد. قد أصبنا الداء الذي يقال له الكَلِب، ونُبئت أنه لا يبرأ إلا أن العق من دم الملوك. فاقطر من دمك. فقال له: إني شيخ كبير لا أقدر على قطر دمي. ولكن ائت ابني محمدا حتى تأخذ من دمه ودم فرسه. فلما ولّى ناداه فأقبل إليه، فقال له: أما ابني قيس فإني انتجبته من بنات ملوك اليمن. فذهب إلى قيس فأخذ من دمه ودم فرسه فبرئ. وكان أكثر ما يؤخذ ذلك وأسرع نجاحا في غسان والأوس والخزرج وخزاعة وبني عمرو بن عامر، وفي ذلك يقول الاحوص بن جعفر الكلابي، وذلك أنه أصاب بنو أبيه دِماءً في قومهم، فقال القومُ لا نقتل به الأحوص، شيخ بشيخ. فأنشأ الأحوص يقول:
فلستم من بني حُجر بن عمرو ... ملوكا والملوك لهم سناء
ولا العنقاء ثعلبة بن عمرو ... دماؤهم من الكلب الشفاء
ولا الأقيال من أولاد صعب ... هم الأرباب ليس بهم خفاء
وأهل البيت من أبناء عمرو ... فمالكهم ومن حي علاء
وليس لسوقة فضل علينا ... ولا أمثالكم لهم بواء
أما قوله حجر بن معاوية فكندة، وهم بنو حجر بن عمرو بن معاوية. وأما العنقاء، فغسان، واما قوله أهل البيت: فخزاعة وأما قوله اولاد صعب: فحمير. فهذا ما حضر ذكره من أخبار ملوك كندة ولولا تجنب الإطالة لأوردنا من أحاديثهم وأسلافهم أكثر من ذلك. ولكن قد بينا لهم بجاهلية وإسلامهم. وفي بعض ما أوردنا دلالة على عظم مقاماتهم وملكهم ونرجع إلى ذكر تمام أنسابهم.
[رجع إلى ذكر أنساب كندة]
ومن كندة ثم من بني عمرو بن حُجر بن معاوية منهم بمصر بيت بني قيس بن سلمة بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حُجر اكل المُرار بن عمرو بن معاوية ومنهم أبناء الجون حسان ومعوية ابناء عمرو بن الجون بن حُجر بن معاوية ويسمى الجون لشدة سواده.
ومنهم معاوية بن شرحبيل بن الأخضر بن الجون بن حُجر بن عمرو بن معاوية ومنهم امرؤ القيس بن عمرو بن معاوية.