فأما البحيرة فإنها كانت الناقَةُ إذا نَتِجت خمسة أبطن، عمدوا إلى الخامس مالم يكن ذكرا ففتقوا أذنها وجُلُودها لا يُجزُّ لها وَبَرٌ ولا يذكرون اسم الله عليها إن ذُكَّيَت، ولا يُحْمَل عليها شيء، وكانت ألبانها للرجال دون النساء.
وأما الوَصَيِلَة فكانت الشاة إذا وَضَعَت سبعة أبطن، عمدوا إلى السابع فإن كان ذكرا ذُبحَ، وإن كان أنثى تُرِكَ في الشاء، فإن كان ذكرا وأنثى قيل وَصَلَت أخاها فَحرُما جميعا وابن الأنثى منهما للرجال دون النساء.
وأما السائبة فإن الرجل كان يسيّب لآلهته ماله لشيء إما نذرا وإما تَطُوعاً، إما بهيمة أو إنسانا، فيكون حَرَاماَ أبدا، نَفعُها للرجال دون النساء.
وأما الحامُ فالفحل إذا أدركت أولاده فصار ولده جَذَعا قالوا: حمى ظهره، أتْرُكُوه، فلا يُحْمَل عليه، ولا يُرْكب، ولا يُمَنَع ماءً ولا مَرْعىً. فإن ماتت هذه الذي جعلوا لآلهتم أشركوا فيها الرجال والنساء وهو الذي أراد الله بقوله عز وجل) وَقَالُوا مَا في بُطُونِ هذِه الأنْعَامِ خَالِصَةً لِذَكُوُرِنَا وَمُحَرَّمُّ عَلَى أزْوَاجَنا (قال الله عز وجل) وإنّ يَكْنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ (وحملني أن أنظم في هذا الديوان كتابا في الأنساب لأنه قد تقدم لنا كتاب يُبَيّنُ الحكمة في الحِكَمِ والأمثال، وبعده كِتَابُ مُحْكم الخَطَابة في الخطب والرسائل. وجعلت مُوَضّح الأنساب واسطة، وبعده كتاب ممتع البلاغة في الوفود والوافدات، وإليه كتاب أنس الغرائب في النوادر والأخبار والفكاهات والأسماء، لأن هذه الأربعة الأجزاء التي.
[" ذكر معرفة أسماء الشعوب والقبائل والبطون والفصائل "]
قال تعالى تبارك وتعالى) وَجَعَلْناكُم شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعارَفُوا إنَ أكْرَمَكُمْ عِنْد اللهٍ أتْقَاكُم (قال: أحياء تَشَعَّبت، والقبائل والشُّعوب هي الفِرَقُ. وقيل في قوله تعالى) وَجَعلْناكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعارَفُوا (أي كل شعب، وهي بالكلام والهيئات، فيعرفُ بعضُهم بعضا، وفي تفسير الضّبَّيّ: لتعارفوا أي ليعرف كُلُّ أدنى واحد مِنْكُم نَسَبَه، فلا تختلط الأنساب، ولا يفتخر رجل بسبه على أخيه.
وعن ابن عباس قال: الشعوب من اليَمَن، والقبائل من مُضَر وَرِبيعة.
) إنّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهْ أتْقَاكُمْ (قال: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل نَزَلت في بِلالِ بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال في سَلْمَانَ الفَارِسيّ والله أعلم.
وقال الخليل: الشَّعّب ما تشَعّب من قبائل العرب والعجم، والجميع شُّعُوب، ويقاب الشَّعْب بالفتح. الحيُّ العظيم الذي تَشَعَب منه القبائل، وتقول: الْتأم شَعْبُ بَني فُلان: أي كانوا مفترقين فاجتمعوا، وتقول تفرّق شَعْبُ بني فلان إذا كانوا مجتمعين فنفرَّقُوا قال الشاعر:
شتَ شَعب الحيِّ بعد الْتِئَام ... وشجاك اليوم ربع المقام
وقال بعضهم: شَعَبْتُ القومِ: أي فَّرقْتُ بينهم، وشعبت أي أصلحت بينهم. وكذلك شعَبَتُ إذا فَرَقْته، وشعبته إذا جمعته. قال: وهذا من الأضداد. وقال الخليل: هذا من عجائب الكَلاَم وَوَسْعِ العربية أن يكون الشَّعْبَ تُفَرُّقاً ويكون تَجَمَّعاً.
وعن الكلبي في رواية كتاب الأنساب أنه قال: إنما تُعْرَف الأنسابُ على ستِّ طبقات. فأولها شَعْبٌ وقَبِيلَةٌ، وعَمِارَةَ، وبَطنُ، وفَخِذُ، وفَصَيلةٌ. وما بينهما من الأبناء فإنما يعرفها أهلها، فُمضَرُ شَعَبُ، وربيعة شَعْبٌ وحِمْيَرُ شَعْبٌ وكَهْلاَنُ شَعْبُ، وكذلك ما سواها من القبائل الكبار. وأنما سُمِّيَت شَعْبٌ لأنَ القَبَائِلَ تَشَعَّبَت منها. وسُمَّيَت القبائل لأن العَمَائَر تَقَابَلَت عليها، والشعبُ يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارةُ تجمع البطن، والبطنُ يجمع الأفخاذ، والفخذ بجمع الفصيلة. فمضُرَ شَعْبُ، وكِنَانَةُ قبيلة، وقريش عِمَارَة، وقُصَيَّ بطن، وهاشم فَخِذٌ والعباس فَص يلَةٌ. وعلى هذا تجرى سائر القبائل.