ثم الفصائل، وهي الفصيلة، وهم الأحياء حين انفصلوا من الأفخاذ، قال جل ذكره) وفصيلته التي تُؤوبه (. وقال الكلبي لقوم حالفا بني معد مدلج:
فصيلة باتَتْ من الأفخاذ ... فخالفت جَهْلاّ بني معاذ
ثم العشائر حين انضم كل نبي أب إلى أبيهم دون غيرهم، فحسن تعاشرهم. وقال هذييل بن قُتَيب الطائي لبني ثعلبة بن حارثة بن لأم فقال:
وكنت لكم عشيرا من أبيكم ... فلا صَفَدَّ لاو لا قول جميل
فصرت لكم عدوا ما بقيتم ... بني الميقات ما لنجح الأصيل
وليس بعد العشيرة شيء تنسب إليه العشيرة مثل عبد مناف وظنرائهم من القبائل.
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه عليه السلام) وَأنْذِرْ عَشِيَرتَك الأقْرَبيِنَ (خرج صلى الله عليه وسلم يمشي حتى قام على الصَّفا، ثم قال: يا آل فِهْر فجاءته قريش كلها، فقال له عمه أبو لهب هذه فِهْر كُلُّها عِنْدَك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا آل غالب. فرجع بَنْو مُحَارِب بن فِهْر وبَنُو الحارث بن فِهْر، وبقي بنو غالب بن فهر. ثم قال: يا آل لُؤَيّ فرِجع بنو الأدْرَم، وهم تَيْمُ بن غالب، وبقي لؤي بن غالب. فقال: يا آل كَعْب. فرجع بنو عامر بن لؤي، وبقي بنو مُرَّة فقال يا آل مرة بن كعب فرجع بنو جمع وبنو سهم ابني عمرو بن هصيص بن كعب، وبنو عَدِي بن كعب. فقال يا آل كِلاب. فرجع بنو تميم بن مُرَّة، وبنو مخزوم بن يقظة. فقال: يا آل قُصَيّ. فرجع بنو زُهْرة بن كِلاب. فقال يا آل عَبْد مناف. فرجع بنو عبد الدار ابن قُصَيّ، وبنو أسيد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ، فقال له عمه: هذه عبد مناف عندك. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جَلَّ وعزَّ أمرني أن أنْذِر عَشِيرتي الأقْرَبين، وأنتم الاقربون إلى مِنْ قريش كلها، وإني لا أملك لكم من الله حَظاً ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، فأشهدُ بها لكم عند ربكم، وتدين لكم العرب، وتذل بها لكم العجم. فقال له أبو لهب: تَبَّاً لك، ألهذا دعوتنا؟ ف، زل الله جل ذكره) تَبَّتْ يدا أبِي لَهَبٍ وَتَب (أي خسرت يدا أبي لهب وخسر.
وبدأت في الأنساب بذكر نسب مَعَدّ بن عدنان وقدمته على نسب يَعْرُب ابن قحطان، لأن منهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلم أر أن أذكر نسبه بعد أنساب ولد يَعْرُب بن قحطان، كما فعل بعض أهل النسب. وقد تَقَدَّم ذكر نسب يَعْرب بن قحطان على مَعَدّ بن عَدَّنان، وقال إنما قدم لأن يعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية.
وروى عن الشعبي أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت حين عُرِجَ بي إلى الجُدُود فرأيت جَدَّ قَيْس بروضة خضراء ينبع منها الماء. فأوَّلْت ذلك شراء أموال وتدفق بالنوال. ورأيت جد عامر بن صعصعة في النار ورأيت جملا أورق مقيدا بعضهم يأكل من عروق الشجر ويخبط الورق فأولته عدداً كثيراً. ورأيت جد فزارة رجلا جملا مُقْحَما في الناس يمرُّ الناسُ بين يديه ورجليه، فأولته أنه لا يزالون يَلُون عَمَلاً على أمتي. ورأيت جد ثقيف جملا أجرب لا يَمُرّ بشيء إلا لَطَخَه وغَّيَّره فأولته أنه لا يقربهم أحد إلا أجربوه. ورأيتُ جد تميم صَخْرةً في النار لاتقع على شيء إلا أسقطته، فأولته أنه لايضرهم مَن كَادَهم. ورأيت جَدَّ بَكْر بن وَائِل فَرَاشاً يتهافت في النار، فأولته أنهم أسرع الناس إلى الشرَّ، ورأيت جَدَّ قضاعة شجرة خضراء كثيرة الأعصان ثابته الأركان، فأولته عدداً كثيراً وعِزّاً باقياً، ورأيت جَدَ اليَمن فرأيت الحياء والكرم، ورأيت رجلا أزرق أحمر قصيراً يَحُرّ قُصَبَه في النار. فقلت: من هذا؟ فقيل لي عمرو بن لحي ابن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، ومن ولده أكثر بطون خزاعة، وفيه وفي ولده كانت سدانة البيت، وهو أول من عَبَد الأصنام، وبَدَّل الحنيفيَّة، وبَحَّر البحيَرة، ووصَل الوصيلة، وسَيّب السائبة، وحمى الحَامِ وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام.