عَرْشُها شرجع ثمانون باعا ... كلَّلَتْه بجَوْهَر وفريد
وبإسناد عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن بلقيس لما أتاها كتابُ سليمان جمعت أشراف قومها فقالت: قد كتب إليّ هذا الرجلُ ولَيْسَ هذا من كُتُب الملوك أفْتُوني في أمري إلى آخر الآية. فأجابوها بما قال الله) نَحنُ أُوْلُوا قُوّةٍ وأُوْلُوا بأسٍ شدِيدٍ والأُمُر إليكِ فَانظُري مَاذا تأمرين () قالت إنَّ المُلوك إذا دَخَلُوا قَريَةً أفْسَدُوها وَجَعَلُوا أعِزَّةَ أهلِها أذِلَةً (يعنى إذا غَلُبوا عليها فدخلوها عنوة أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة. يقول الله: صَدَقت يا محمد) وَكَذلِكَ يَفعَلُون (.
قال وهب بن المنبه في حديثه: فأسلمت، وتزوجها سليمان، وولدت له ابنا سماد دَاوُود. فأما الأرد فيقولون: إنه تزوجها امرؤ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن أدّ الركب، وهو غسان أبو الملوك من الأزد، وبطرقة سليمان بن داوود عليه السلام على اليَمَن، سمي امرؤ القيس البطريق لذلك. وهو جد عمرو بن مُزَيْقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق. وعن ابن ذُريد أن سليمان صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلح امرأة بلا زَوْج، فزوجها سليمانُ شَدَد بن زُرْعة الحِمْيَري.
مُلك ناشر النعم
قال: فلما انقضى أمرُ سُلَيْمان صلوات الله عليه الملكُ إلى حِمْيَر، فَمَلَّكوا امرهم ناشِر النعم بن عمرو بن يَعْفُر بن شراحيل بن عمرو بن ذي أنس ويُعْرف بناشر النعم، لإنعامه على الناس، وردّه الملك عليهم بعد سُلَيْمان، وكان شديد السلطان قَوِيَّاً في أمْرِه.
قال عبيد بن شربة: ذلك ناشر النعم بن عمرو بن يَعْفُر بن شراحيل بن عمرو بن أنس، وإنه اجتمعت له حمير، وبعث بالجيوش إلى ما كانَ حَوِى عليه آباؤه، واشتد سلطانه، ثم سار بنفسه غازيا نحو المغرب، لرؤيا رآها، حتى بلغ وادي الرَّمْل، ولم يبلغه أحدٌ من أهل بيته، فلما انتهى إلى الوادي لم يجد مجازا حتى جاء يومُ السبتِ فأسْبِتَ الرّمل، فلم يَجْرِ شيئا، وأمر رجلا من أهل بيته يقال له عمرو أن يعبر الوادي فعبر وأصحابهُ ليعلم ما وراء ذلك، فلم يرجعوا، فلما رأى ذلك كَفّ عن العبور، وأمر بصنم نحاس فَصُنِع، ثم نُصِبَ على صخرة وشُدّ بها، ثم كتب على صدره: صنَعَ هذا الصنم الملكُ الحِمْيَري ناشر النعم اليَعْفُرِيّ، ليس وراء هذا مذْهَب، فلا يتكلف المُضِيَّ أحدٌ فيعطب. قال معاوية: إنك لتخبر بالعجب، قال: إن أمر حمير كان عَجَباً من مسيرها وسرعة رجوعها، لرفاهية العيش باليمن وملك ودنيا قد أتوها. قال: فهل ذِكُرَ ذلك في شعر؟ قال: نعم، رجل ممن أمّرَه أن يَعْبُر وادي الرمل، وذلك قوله عند إلزامه العبور شعرا:
فليس إلى إجبال ضج إلى اللوى ... لَوِي الرَّمْل فاصدقن النفوس معاد
بلادٌ بها كُنَّا وكُنَّا نودها ... إذا الناسُ ناسٌ والبلاد بلاد
وقال النعمان بن الأسود بن المغرب يمدح ناشر النعم، ويذكر أمر سليمان وردّه الملك. وإنما سمي ناشر النعم لإحيائه الملك وإقراره إياه في حِمْيَر، ورده النعم عليهم. قال في ذلك شعرا:
حُيِيتَ أبيتَ اللعن في كل شارق ... تحية ملك في نهاء إلى الحشر
لعمري لقد جَللت حمير نعمةً ... بقمعك عنها كل عات وذي كفر
وراجعتها المُلك الذي كان قد مضى ... فأنت أبيتَ اللعن ذو نعم زهر
ولولا سليمان الذي كان أمره ... من الله تنزيلا ووحيا على قدر
لما كان إنسيّ بذاك يرومنا ... ولا الجن إذ نحن الأناظر بالصهر
ولكنّ قدرا كان تحويل ملكنا ... إلى ابن نبيَّ الله داوود ذي القدر
فنحن ملوك الناس قبل نبيْه ... وقبل أبيه الحبر عَصْراً من الدهر
ونحن ولاة الملك في دهر ما بقي ... إلى أن يصير الملك دينا بلا قمر
يكون نبيّث أَمْرُه غَيْر واهن ... رحيمٌ بذي القربى وذي الأجنب الوتر
يكون له منا يسمى محمدا ... غطاريفُ صدق في الإنابة والنصر