فمنهم جعلت لحوك البرود ... وحَذوا النعال وصبغ العصب
وقيسا جعلت بارض الحجاز ... لنسج القباء وحك الجرب
تميما جعلت لحفر البيار ... ومتح الدلاء ومد الكرب
ربيعة ثم هداة الطريق ... منارا على القصد حيث السغب
خزيمة فيها لنحت البرام ... وكانت كنانة اهل الحلب
صنيع ابي كرب الحميري ... اسعد ذاك ابن كليكرب
في شعر طويل من شعره. ثم قال تبع في هذه القصيدة: وذلك حين بدأ اعلانه حديث النبي) ص (، وكان أظهر امره في آخر مملكته، وشهد بصحته، وله في ذلك اشعار كثيرة سنذكر بعضها. قال تبع في هذه القصيدة:
فدع ذا وقل للذي هو آت ... لكل الذي هو آت سبب
فأما إذا اضمرتنا البلاد ... تليها المجوس واهل الصُّلب
واهل المواشي واهل العمود ... يذودون ملكا طويل الغلب
ويأتي على الناس من بعد ذا ... ستون كما قال اهل الكتب
يكونون في غمرات العمى ... فيأتيهم مرسل منتخب
فيأتيهم بسبيل الهدى ... ويكسر اصنامهم والنصب
فلو مد يومي إلى يومه ... لكنت نسيبا له في النسب
وسوف يلي الامر من بعده ... ولاة يصيبون من لم يرب
هم يملكون جميع البلاد ... لسفك الدماء ووثب الحرب
وقد قيل ملكهم ذاهب ... واني لأعجب كل العجب
لأمر يجيء إلى معشر ... يرى في جمادي أرى أو رجب
وبالشط احمر من قومنا ... سينئار بالملك بعد الغلب
هو الخلق الغابر المرتجى ... يفض الجموع وجمع العصب
وقال تبع في ايمانه بالله والنبي) ص (، ويذكر اشياء تحدث:
أو كريح الجنوب عمت بخير ... عجبا بعد من عراص المقيم
أو كهذا النهار يغشاه الليل ... بعد ضوء من الصباح مقيم
يا بني حمير الكرام غدرتهم ... غدرة قد سرت بدهر غشوم
قد غدرتم بخير من تحمل الارض ... بذي البؤس في الورى والنعيم
قد غدرتم بتبع الاسعد الملك ... ربيع الورى وعز الحميم
من له بعده يوطد ملكا ... رابط الجأش عند خطب جسيم
ما سوى قومك المقاول ... فأخاك غليك السلام من معدوم
قال: فلما مات تبع الاسعد ندمت حمير على ما كان منهم في محاولة قتله، زاختلفوا فيمن يملكون بعده، حتى اضطرهم الامر إلى ان ملكوا ابنه خسَّانا فملكوه واخذوا عليه موثقا الا يؤاخذهم بما كان منهم في ابيه. وكان ملك تبع الاسعد مائة وعشرين سنة.
[ملك حسان ذي معاهن بن تيع الاسعد]
قال عبيد بن شريه: ثم ان حميرا سقط في ايديهم الامر مخافة الهلاك، وصارت امورهم إلى ان اتوا حسان بن تبع فسألوه ان يتولى امورهم، فبايعته حمير، فلم يزل مقيما بأرض اليمن لا يروم غزوا ولا يهم به مداريا في ذلك قبول اهل اليمن، لملالتهم صنيع ابيه واتعابه اياهم بالغزو، إلى ان قدم عليه رياح بن مرة الطسمي يخبره بغدر جِدِيس بملك طَسْم، حين قتلتهم وأبادت طسما، وانشده في ذلك شعرا لما دخل عليه، فقال:
حُيّيت من ريِّس ... في الحسب القدموس
جيْتك من جديس ... لغارة الخميس
وفعلة الشيطان الماعوس ... لم يبق من انيس
غير النسا الحبوس ... والصبية الجلوس
يبكيب للبئيس ... بكاء لا ينقيس