فجللته في رأس غمدان ضربة ... بكف مرادي النجاد لباب
وكنت امرأ في مدجح ذا أرومة ... نصابي منها بعدُ خير نصاب
وقال فروة بن مسيك، وفي نسخة مسيدة:
ما إن رأيت ولا سمعت بضربة ... شفت الغليل كضربة المكشوح
وفجعت عبسا كلها بمتوج ... جار البلاد على دم مسفوح
فعلا ابن يغوث قيس رأسه ... بمهند عضب الحسام مريح
أمر الاله بقتله ورسوله ... وصبوح عبس بعد شر صبوح
وقال عبد الرحمن بن ذي الحرة الحميري:
لعمري وما عمري عليّ بهينّ ... لقد جزعت عبس بمقتل أسود
يزيد وقيس ما تعاكل حرمة ... وفروة لا وغد ولا بمريد
لنا وذ حقيقة ... ويبدونا قيس بعضب مهند
فيضربه فوق بسيفه ... ليد طاوي الحشا متمرد
فشلت يميني يوم ... مرما رأي مفند
فادعى دادوى مع القوم في قتل الأسود، وإنما قتله قيس بن هبيرة. وفي ذلك يقول قيس:
قد يعلم الأحياء من مدجح ... ما قتل الأسود الا أنا
أدركت ثأرا كان لي عنده ... بقتلي الأسود مستمكنا
ثارت عبس وبنو عامر ... وكنت لما أن أتى محسنا
ولما انقضت وقعة اليرموك وأجلت الروم عن الشام، قدم قيس بن هبيرة إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سبعمائة فارس من مراد، والمغيرة بن شعبة في أربعمائة. كتب عمر إلى سعد انه انظر قيسا ولا تعص واسمع من جرير بن عبد الله، وشرحبيل بن السمط الكندي. فمن قول قيس لأصحابه:
نشق الوطاب يا صم وجلابا ... العراق سعدا
لسنا نرى من نصر سعد بدا ... أن يلق سعد يلق اسد اسدا
لا بد ان يفل حد حدا ... لا بد ان يعلق جد جدا
ثم اقبل قيس والمغيرة بن شعبةن القادسية وحرب رستم. وكان على القلب جرير بن عبد الله البجلي، وعلى الميمنة العدوي، وعلى الميسرة قيس بن هبيرة. فهزم من يليه وأبلى يومئذ بلاء حسنا.
وكان قيس وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم في أول الاسلام على أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، بعد مقتله العبسي، قضمه أبو بكر، رضي الله عنه، إلى أبي عبيدة بن الجراح حين ولاه أمر من سار إلى الشام.
ثم شهد من بعد ذلك فتوح فارس، أيام عمر بن الخطابنرضي الله عنه، بالقادسية، ونهاوند، وان أبا بكر الصديق حين ضم، قيسا إلى أبي عبيدة بن الجراح حين ولاه أمر من سار إلى الشام قال: إنك قد صحبك رجل عظيم الشرفن فارس، فارس العربن وليس للمسلمين غنى عن رأيه وبأسه فلاطفه فإنك غير مستغن عنه. ثم دعا قيسا فقال أما أني قد بعثتك مع أبي عبيدة وأمرته ان يسمع منك، فقد يسمع بسياستك في الحروب على من كفر بالله. قال: فسيبلغك ما يسرك.
فلما كان يوم أحاد وجه ابو عبيدة خالد بن الوليد في الخيل، فخرجت عليه خيل عظيمة من الروم. فقال خالد: يا قيس احمل عليهم. فحمل قيس فهزم من يليه من المشركين، وقتل سبعين رجلا، ويقال ان قيسا قطع يومئذ ثلاثة أسياف، ودق بضعة عشر رمحا، وهو يقول:
لا تبعدن كل فتى كرار ... ماضي الحبان شرس صبار
يقدم إقدام الهزبر الضاري ... حتى تهم الخيل بالادبار
وهو الذي أشار على المسلمين بالمقام بالشام، لما لأقبل ماهان في ثلاثة الآف، وكان الناس، قالوا لأبي عبيدة ارجع بنا إلى المدينة، قال قيس: لا ردنا الله اليها أبدا حتى ندع المال والذهب والخيل والحمير والفضة، والله لو كان ذلك أبدا. فقبل خالد الرأي وقال: ما رأيت والله يا قيس. فتوجه إلى الوليد في ألفي فارس ومعه قيس، فلما لحقهم قيس على الخيل وترك خالدا، فالتقى ومن معه بخيل الروم وفيهم فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم اضطرهم قيس إلى خالد فالتقاهم، فضرب الله وجوههم فولوا منهزمين وطردهم قيس.