وكان نوح ركب في السفينة ومن معه لعشر ليال مضَيْن من شهر رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يومَ عاشورا، وخرج الماء نصفين، فلذلك قوله تعالى) فَفَتَحْنَا أبْواَبَ السَّماَءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِر (يقول مُنْصَبّ) وَفَجَّرْنَا عُيُوناً فالُتَقَى الماءُ عَلَى أمْرٍ قَدْ قُدِر (فصار الماءُ نِصفين. نصف من السماء ونصف من الأرض، وارتفع الماءُ على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذٍراعاً، فسترت بهم السفينة فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتَت الَرَم، فلم تدخله فكانت بالحرم أسبوعا، وقد رفع الله البَيْتَ من الغَرَق والحَجر الأسود على جبل أبي قبيس، فلما درات السفينة بالحرم ذَهبت في الأرض تسير على وجه الماء حتى انتهت إلى الجُودِيّ. وهو جبل بالحصين من أرض المُوْصِل. فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السبع، فقيل بعد الستة الأشهر) بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالمين (فغرق بنو قابيل كلُّهم. وما بين نوح إلى آدم، ومن كان أبى عن الإسلام. فلما اسْتَقَّرت السفينة على الجُوِدي) قيلَ يَا أرْضُ أبْلَعي مَاءَك (يقول أنْشِفي مَاءَك) وّيَا سَمَاءُ أقْلِعي (يقول احبسي ماءَك) وَغِيضَ الماء (نَشَّفَتْه الأرضُ، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض. ويقال ما بقي في الأرض من ماء الطوفان إلاَّ ماء بِحِسْمَى بَقَيَ أربعين يوما ثم ذهب وقيل ما كان زمن نوح شبِر، من الأرض إلا وله من يدعيه. وقيل أرسلَ الله الطوفان لِتَمَامَ ألْفَي سنة ومائتي سنة وخمسين سنة من لَدُن أهْبَطَ الله آدم من الجنة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " في أوَل يوم من رَجَب رَكِبَ نوحٌ في السفينة، فصار هو ومَنْ معه وجَرَت بهم السفينة ستة أشهر. فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجُودِيّ يومَ عاشوراء، فصار نوح وأمَرَ جميع مَن مَعهُ مِن الُوحُوشِ والدَّوَابِّ فصاموا شكرا للِه ".
وعن ابن جُرَيجْ: قال كانت السفينة أعْلاَها الطْيُر، وأوسطها الناسُ وأسفلها السِّبَاعُ: وكان طولها في السماء ثلاثين ذِرَاعاً.
وبإسناد عن ابن عباس قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم أبعث لنا رَجُلاً مِمِّنْ شَهِدَ سفينة نوح يحدثنا عنها. قال: فانطلق بهم حتى إذا انتهى إلى كثيب مِنْ تُرَابٍ فأخذ كفَّاً من ذلك التراب بكفه فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا الله ورسوله أعْلَم. قال: هذا حَامُ بنُ نوحٍ. قال فضرب الكَثِيبَ بِعَصاه وقال: قم بإذن اللهِ، فإذا هو قائم يَنْفضُ التُّرابَ عن رأسه وقدْ شَاب. فقال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا، ولكني مُتُّ وَأنَا شابُّ، ولكني ظَنُنْتُ أنَّها الساعة فمن ثَمَّ شِبْتُ. قال: حدثنا عن سفينة نوح: قال: كان طولها ألف ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدَّوَاب والوَحْش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير. فلما كثر أرواث الدَّوَابَ أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فوقع منه خنزير وخنزيره فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه أوحى الله إلى نوحأن اضْرِب بِيْن عَيْنَي الأسِدَ، فضرب بين عينيه فخرج من منخره سِنَّورْ وسِنَّورَة فاقتتلا على الفأر. فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث بالغُراَب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخَوْف، فلذلك لا يألف البُيُوت. قال: ثم بعث بالحَمَامَةِ فجاءت بوَرَقِ زَيْتُون بِمِنْقَارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت، فطوَّقها الخضرة في عُنُقِها، فدعا لها أن تكون في أُنْسِ، فمن ذلك تألف البُيُوت. قال، فقلنا: يا رسول الله ألا ننْطَلقُ به معنا إلى أهْلِنَا فيجلس مَعَنا ويُحَدَّثنا؟ قال: كيف يتبعكم مَنْ لاَرزْقَ له؟ قال، فقال: عُدْ بإذْن الله. فعاد تُرَاباً، قال: فلما خَرَج نوحٌ عليه السلام من السفينة أتَّخذَ بناحية قَرَدى من أرضِ الجَزِيَرة مَوْضِعاً، وابتنى هنالك قرية سماها " ثمانين " لأنه كان بنى فيها لكل إنسان بيتا ممن آمن معه، وكانوا ثمانين. فهي إلى اليوم تُسَمى " سوق ثمانين ".