للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان سبب الذين نقل منهم من البصرة أنه لما كان خلافة عثمان بن عفان استعمل على البصرة عبد الله بن عام ضمنهم، فقدم بهم من توخ، إلى البصرة، وأما أبو صفرة ظالم بن سراق، فأقام بتوخ، إلى أن استقرت به الديار وأمن المكايد؛ ثم غزا مع عبد الرحمن بن سمرة القرشي، خرج إلى خراسان بمائة فرس ومائة حمرا، كان قطع بها من عمان، وكان أبرهة ثم عاد، بعد وقعة الجمل بثلاثة أيام وقد ظفر علي بن أبي طالب، فقال له علي: يا أبا صفرة، ما لقيت من أحد مثل الذي لقيت من قومك. فقال: عن علي، والله يا أمير المؤمنين، لو كنت حاضرا ما اختلفت عليك منهم سفيان. فدعا له وولاه نهر يبري، ومنادر الكبرى، وولاه أيضا رئاسة الأزد. وقال له: آتني ببعض ولدك لأعقد له لواء يكون له شرفا، وتعقبه يخرج إلى أهل البوادي يؤمنهم، لأن قومأ قد خرجوا هربوا إلى البادية ليرجعوا إلى بلادهم. فأتى ابو صفرة إلى ولده النجف بن أبي صفرة. فقال له ذلك. وكان النجف أسن أولاد أبي صفرة، وكان مولده في الجاهلية، فأبى عليه، وقال: يا أبت ما لاتي رجلا جعل قومي أقل العرب وقتل منهم بالأمس ألفين وخمسمائة رجلعلى غير ذنب، فتركه وعدل عنه إلى أخيه الهلب، وكان أصغر ولده، وهو غلام ابن نيف وعشرين سنة، له ذؤابة في رأسه، فعرض عليه ذلك فأجاب فبلغ ذلك علي، وما كان من جواب النجف لأبيه. فقال علي: اللهم أقل عقله واهوج ولده إلى ولد أخيه.

وانطلق أبو صفرة بالمهلب، ويومئذ ابن سبع وعشرين سنة، فأدخله على علي، فمسح من مقدم رأسه إلى قدميه، ومن ذؤابته إلى عقبية، وعقد له الراية، وقال اللهم ارزقه الشجاعة والسخاء والنهى، وأمره أن يسير يؤمن الناس، وقال: اخرج في أثر أهل البصرة نحو الأهواز والبادية، وكان بعضهم مضى إلى الأهواز وبعضهم إلى سفوان، فأمنهم وأخبرهم أن يرجعوا إلى منازلهم في ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد عفا الله عنه ما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه. قال: والناس يومئذ هراب من وراء الحشر من علي، فانطلق المهلب وسار إلى الناس وهم ورأى الحشر الأصغر، لواءه ودعاهم إلى الأمان فأجابوه ودخلوا البصرة، وأقام ثلاثة أيام ثم سار حتى سفوان، وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز، فنصب لواءه وأقام ثلاثة أيام حتى تراجع الناس إلى البصرة، فتيمن الناس بلواء المهلب والقى في قلوبهم الرعب، من ذلك الوقت محبته.

قال: وكان أبو صفرة قد شخص مع عبد الرحمن بن سمرة القرشي حين ولاه عثمان بن عفان في خلافته، سجستان، وكان معه أبو صفرة ومعه أبنه المهلب، يروون أنه يومئذ ابن عشرين سنه. فلما أن صار ابن سمرة بسجستان وأراد الغزو، وعرض الناس المهلب، فاعترض فيم اعترض على فرس بلقاء، فلما مر على ابن سمرة قال له: من أنت؟ قال: أنا المهلب بن أبي صفرة.

قال: انك احدث، فارجع. قال: ثم عرضهم الثانية، فاعترض المهلب فرده.

قال المهلب: أصلح الله الأمير، اني قد رغبت في الغزو، فلا تكرهن ما ترى من حداثة سني، ولا تصرفني عن وجهي.

قال: أما والله لولا ما تحتك ما أذنت لك بالغزو.

قال: وتحته فرس رائعة، فغزا معه، وكان أول يوم رئى في المهلب أن عظيما من عظماء أهل كابل خرج يعترض الناس لايبرز له أحد الاقتله.

قال: فهابة الناس، قال: ومر في الناحية التي فيها المهلب، قال: وتهيأ له المهلب، فهز رمحه، فلما مر بالمهلب حمل عليه بالرمح فطعنه طعنة نشب الرمح فيه، فأوجزه اياه، فاعتق العلج برذونه، ومضى فانتهى إلى الناس بتلك الطعنة فادعاها غير واحد.

فلما كان بعد ذلك، وصالح ابن سمرة العلج، قال: هل تعرف صاحبك الذي طعنك؟ قال: ان عرضتم في الهيئة التي كانوا عليها عرفته.

قال: فأمر الناس فتهيأوا على ما كانوا عليه، ثم عرضهم، فلما مر المهلب، قال: أصلح الله الأمير، هذا صاحب الفرس البلقاء، فقال ابن سمرة للمهلب: ما منعك أن تتباهى كما تباهى بها غيرك؟ قال المهلب: ما كنت لأتباهى بطعنة هذا العلج.

قال: فانه لأول يوم رأى فيه المهلب شيئا.

<<  <   >  >>