قال: وكان طسُم بن لاوذ ساكن اليمامة وما حولها قد كثروا بها وربلوا إلى البَحْرَين: وكانت طَسْمٌ والعماليق قوماً عَرَباً لسانُهم الذي جُبِلُوا عليه لسان عربي، وكانت فارس من هذا المشرق يتكلمون بهذا اللسان الفارسي. فعادٌ وثمود والعماليق وأمَيْم وطَسم وجَديس وجاسم وبنو قحطان بن هود هم العرب العاربة، لأن لسانهم الذي جبلوا عليه عربي. ويقولون لبني إسماعيل بن إبراهيم العرب المعترية، لأنهم إنما تكلموا بلسان هذه الأمم حين سكنوا أظهرهم وكانت عاد بهذه الرملة إلى حضر موت واليمن كله، وكان الله قد أعطاهم بسطة في الخلق. وكانت ثمود بالحِجْر بَيْن الحجاز والشام إلى وادي القُرى إلى ما حوله، ولحقت جديس وطَسْم وكانوا معهم باليَّمامَة وما حولها إلى البحرين، وأسم اليمامة إذ ذاك " جَوّالي أن بَغَتْ جَديس على طَسَمْ فغزاهم تُبَّعَ فأبادهم. ونزل العماليق البَحْرَيْن وعُمان، ثم انتشروا في البلاد حتى ملأوا جزيرة العرب، وحدود جزيرة العرب في الطول ما بين العُذَيب إلى عَدَن.
قال الهَيْثَم بن عَدِيّ، قال مجاهد: سئل الشّعَبيّ عن جزيرة العرب فقال: ما بين العُذَيب إلى حَضَرَمَوْت. قال: أخبرني أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السَجِسْتَاني، قال حدثنا أبو عُبَيْدة مَعُمَر بن المَثَنَّى، قال: جزيرة العرب خمسة أقسام، تِهَامَةوالحجاز، ونَجْد والعَرُوض واليَمَن، وذلك أن جبل السَّراة. هو أعظم جبال الَعَرب. أقبل من ثغرة اليَمَن حتى بلغ أطراف بَوَادي الشام، فسمته العرب حجازا: لأنه حَجَز بين الغور وهو هابط وبَيْن نَجْد، وهو ظاهر ثم صار ما خَلْف هذا الجبل من غريبة إلى سيَاف البحر من بلاد الأشعريين، وعَكَّ. وفرسان كنانة وما حولها إلى ذات عرِقْ والجُحْفة وما صَاقَبها وغَعَار من أرضها الغور غَوْر تِهامة وتهاكة تجمع ذلك كلّه. وصار شَرْقي هذا الجبل من الصَّحَارَى والنَخَلُ إلى أطَرْاف العِراق والسَّمَاوة، وما يليها نَجْداً، ونَجْد تَجْمَع ذلك كله. وصار الجبل كله سراة، وسمي السراة لارتفاعه وهو الحجاز والحجاز ما احتجز به من الجبال، وشرقي مُرْد والحرار إلى ناحية فيد وجبلي طَي إلى المدينة ومن بلاد مذحج، وهي متاخمة اليمن إلى تثليث وما دونها إلى فيد حجازا، والعرب تسميه نَجْداً وجِلْساً وحجازا، والحجاز يجمع ذلك كله، وصارت اليمامة والبحرين وما والاها عَرُوضا. وفيها تهايَّم ونُجُود. ونجد لقربها من النجاد وانخفاض مَسَايل الأودية، وصار ما خلف تثليث إلى صنعاء إلى حَضَرَمَوْت والشَّحْر وعُمان يَمَناَ، وفيها التهايم والنجد. واليمن يجمع ذلك كله. ويتلوه الذي في الرقعة عجلا مُصْعداً حتى يَنْحَدر إلى ثنايا ذات عرق فإذا فعلت ذلك فقد انتهت إلى البَحْر، وإذا عرضَتْ لك الحرار. وأنت بنَجْد فتلك الحجاز، وأذا تصوبت فالحجاز مكة والمدينة وما والاهما.
والعرب تسمى اليمامة والبحرين العَرُوض، قال أبو المنذر هشام بن محمد: بن السائب إنما بلاد العرب الجزيرة لإحاطة البحور بها والأنهار بها من أطرافها وأقطارها، فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحور، وذلك أن الفراق أقبل من بلاد الرُّوم فظهر بناحية قنسرين، ثم انحط إلى أطراف البَصْرة والأبُلّة، وامتد البحر من ذلك مُطِيفاً ببلاد العَرَب، مُنْعَطفَاً عليها، فأتى منها على سفوان وكاظمة، ونفذ منها إلى القطِيَف وهَجَر، وأسياف قطرُ عُمان. ومال منه إلى حَضَرَمَوْت وناحية أبين وعدن ودهلك واستطال ذلك العنق، فطعن إلى تهايُم اليمن بلاد فَرَسان وحكم والأشعريين وعَكّ ومضى إلى ساحل جدّة، وحازَ ساحل المدينة ثم ساحل الطُّور وخليج أيْلة، وساحل بانه حتى بلغ قَلْزَم مصر، وخالط بلادها، وأقبل النيل في غربي هذا العنف من أعلى بلاد السُّودان مستطيلا معارضا للبحر معه حتى دفع في بحر مصر والشام، ثم أقبل ذلك البحرُ من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين، فمر بعَسْقَلان وسواحلها، حتى إذا أتى على ساحل الأردن، وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمَشْق، ثم نفد إلى سواحل حِمْص وسواحل قُنسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات منحطا على أطراف قنسرين والجزيرة إلى سوادِ العِراق. قد ذكرت العرب هؤلاء الخمسة الأقسام في أشعارها.