وابلى يومئذ بن عبد الملك بن بلال، بلاء حسنا فيمن معه من أهل بيته وحمل فشد على الريان بن محجن السامي. وكان من فرسان بتي سليمة. فطعنه في لبته فألقي عن فرسه ميتا. وانهزمت النزارية هزيمة لم ير اقبح منها. واسر منهم خلق كثير، وقتل منهم في المعركة ستمائة رجل. وقتل من اليمانية من اصحابهم خمسة وثمانون رجلا. وقتل الفضل بن الحواري، والحواري بن عبد الله، وورد بن أبي الدوانيق، ويحيى بن عبد الرخمن السامي، ومحمد بن الحسن السامي، صاحب الراية الكبيرة، وكان فاري الكتيبة، وناس كثير من بني سامة من وجوههم، وصعصعة العوفي، وموسى بن عبد الله الواشحي، في خلق كثير من بني عمه وسعيد بن المنهال الفجحي، فهؤلاء الوجوه فأما غيرهم فلا يأتي عليهم العدد كثرة ولا يعلم اسماؤهم. والذي قتل من اليمانية منن اصحاب عزان: محمد بن يزيد اليحمدي من أهل تنعم، ورجل من العتيك، يقال له منبه بن مخلد، وجماعة من الاخرين.
وولى اصحاب الحواري بن عبد الله، والفضل بن الحواري، الادبار منهزمين بعد ان قتل منهم من ذكرنا، واسر منهم فيمن اسر ابو هدنة، فمات بصحار في ايديهم، بعد ان ضربوه، وكان مريضا فمات.
وبلغنا ان الفضل بن الحواري لما تراءى بعسكر اليمانية، من اصحاب عزان قال: يا لهفي على الدنيا، ما تزودت منها، ولقد جاشت نفسي وكان اول قتيل من الوجوه في المعركة. وافلت محمد بن القاسم، فطارعلى بعير حتى حصل على بتوام، ثم لحقه بشر بن المنذر، والي توام وخرجا إلى البحرين إلى محمد بن بور، حتى كان من امره ما كان.
فهذه وقعة القاع من ظهر عوتب بالخيام، وهي من الوقائع المذكورة المشهورة المذكورة بعمان. وكانت هذه الوقعة يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال، سنة ثمان وسبعين ومائتين.
وفي هذا اليوم يقول أحمد بن جميل، احد بني حديد من بني مالك بن فهم:
يا لك بالقاع من صباح ... قيام خيام إلى القراح
انعلت الخيل هام عوف ... من بيت طاها إلى وقاح
وخضنا من منبه دماء ... كزاخر اليم ذي الطماح
خيل بن نصر فتى المعالي ... والقوم من مالك الصباح
واليحمد المانعي حماها ... ومدركي الوتر بالصفاح
لما اتانا بأن عوفا ... يدعوها بجهل إلى الاطاح
سرنا اليهم بمقربات ... في ظل غاب من الرماح
يقدمنا الاسد من هناة ... في جحفل شاهر السلاح
فكم كعاب هناك تدعو ... بالويل أباها رداح
في شعر طويل، ذكرنا منه موضع الحجة.
فلما كان من امر هذه الوقعة ما كان، وانهزمت جموع النزارية، وكان الظفر للأهيف بن حمام الهنائي. وجماعة من قواده من اصحاب الامام عزان بن تميم. خرج محمد بن القاسم، وبشير بن المنذر إلى البحرين، وبها محمد بن بور، فشكوا اليه وسألاه الخروج معهما إلى عمان، واطمعاه في امور جليلة. فأجابهما إلى ذلك، فأقام عنده بشير بن المنذر بالبحرين.
ومضى محمد بن القاسم إلى الخليفة ببغداد، وكان المعتضد بالله.
فأستخرج عهد محمد بن بور على عمان، وهو يومئذ بالبحرين، فرجع إلى البحرين، وقدم عليه ومعه عهده على عمان، واخذ في جمع العساكر من سائر القبائل، وخاصة نزار. وحصل عندهم ايضا من بني طئ من الشام خلق كثير.
وتهيأ محمد بن بور، للخروج إلى عمان. فخرج اليها فيما بلغنا في خمسة وعشرين الفا. وكان معه من الفرسان ثلاثة الاف وخمسمائة فارس بالدروع والجواشن، وغير ذلك من العدد والامتعة. واتصل الخبر باهل عمان. فأضطربت عمان من كل جانب. ووقع الخلف والعصبة بين اهلها. فكانت النزارية، ومن كان على رأيهم في حزب، واليمانة في حزب. وتخاذل الناس عن الامام عزان بن تميم. وتنقضت الامور عليه. فخاف أهل صحار وما حولها من الباطنة. فخرجوا بأموالهم وذراريهم وعيالاتهم إلى سيراف والبصرة وهرمز، وغير ذلك من البلدان.