للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الله تبارك وتعالى قد بعث إليهم صالحاً رَسُولاً يدعوهم إلى توحيد الله والإفراد بالعبادة حين عتوا على ربهم وَكَفَروْا به، ولم يزل صالح يدعوهم إلى الله وهم على تَمَرُّدِهِم وطُغْيَانِهم، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا مباعدة من الإجابة، فلما طال ذلك من أمرهم وأمر صالح قالوا: إن كنت صادقا فادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله، فدعا صالح ربه ثم قال لهم: اخرجوا إلي هضبة من الأرض. فخرجوا، فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل. ثم إنها تفرَّجَت فخرجت من وسطها الناقةَ، فقال لهم صالح:) هَذِهِ نَاَقَةُ الله لَكُمْ آيّةٌ فَذَرُوها تأكُلْ في أرْض الله وَلاَ تَمَسوُّها بِسُوءٍ فَيَأخُذكم عَذَابٌ ألّيم (وقال) لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمَ مَعْلُومٍ (وكان شربها يوما وشربهم يوما، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها، فملآوا منها كل إناء ووعاء وسقاء فإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ولم تشرب منه شيئا فملئوا كل إناء وسقا فأوحى الله إلى صالح: أن قومك سيعقرون ناقتك فكلمهم في ذلك. فقالوا: ما كنا لنفعل. فقال لاتعقروها أنتم، أوْشَك أن يولد فيكم مولود يَعْقِرها. قالوا: وما علامة ذلك المولود؟ فو الله ما نجده إلا قتلناه. قال إنه غلام أشقر أصهب أحمر قال: وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن يرغب له عن المناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفوا، فجمع بينهما مجلسٌ فقال أحدهما لصاحبه: ما منعك أن تُزَوِّج ابنك،؟ قال: لا أجد له كفواً قال فإن ابنتي كفو له، وأنا أزوُّجه بها. قال فزوّجَه إياها فولد بينهما ذلك المولود، وكان في المدينة تسعة رهط يُفْسِدُون في الأرض ولا يصلحون. فلما قال صالح إنما يعقرها مولودٌ فيكم اختاروا ثماني نِسْوة قَوَابل من القرية أدخلوا معهن شُرَطاً كانوا يطوفون في القرية، فإذا وجدوا المرأة تتمخض نظروا ما ولدها؟ فإن كان غلاماً قبلنه فينظرون ما لونه. وإن كان جارية أعرضوا عنها، فلما وجدوا ذلك المولود صَرخ النسوةُ وقُلْنَ هذا الذي يريُد رسولُ الله صالح، فأراد الشُرَطُ أن يأخذوه، فأحال جَدَّاه بينه وبينهم، وقالوا لهم: إنْ صالح أراد هذا قتلناه. فكان شَرَّ مَوْلُودٍ، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة فاجتمع الثمانية بعد التسعة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون - وفيهم الشيخان قالوا: استعمل عَلَيْنا هذا الغلام، لمنزلته وشرف جديه، وكانو تسعة وكان صالح لا ينام معهم في القرية. كان في مسجد يقال له مسجد صالح فيه يبيت الليل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، فإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه قال فأرادوا أن يمكروا بصالح فائتمروا بينهم بقتله. فمشوا حتى أتوا على سَرَبٍ على طريق صالح فاختبأ فيه ثمانية، وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه، وأتينا أهله. فخرج عليهم، فبيتناهم، فأمر الله الأرض فاستوت عليهم.

<<  <   >  >>