للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله - صلى الله عليه وسلم - " أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما " (١).

والحاصل أنّ سبب إنكاره على الخطيب تشريكه في الضّمير، لأنّ ذلك يقتضي التّسوية بينهما، وخشي على الرّجل أن يكون معتقداً ذلك، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - آمَنُ مِنْ ذلك، كذلك نهاه لأنّ خُطَبَ الوعظ شأنها البسط والإيضاح، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَنَّى الضمير لأنّه ليس في مقام الخطبة والوعظ، وإنّما هو تعليم حُكْمٍ، وكلّما قَلَّ لفْظُه كان أقرب إلى حفظه، بمثل هذا أجاب علماؤنا.

وزعموا أنّ هناك اختلافاً في الحديث الواحد، وذكروا قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " لا عدوى، ولا طِيَرَةَ، ولا هامةَ، ولا صَفَرَ، وفِرّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد " (٢) قالوا: النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ينفي أن تقع عدوى، أو أن تكون هناك عدوى، ثمّ يأمر بالفرار من المصاب بالجذام! وهذا أغرب ما سمعنا!

ولا يخفى أنّ المراد بقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " لا عدوى " أي لا عدوى تقع بذاتها، فالعدوى ليست علّة فاعلة، وإنّما تقع بقدر الله.

والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا قال ذلك إنّما يريد نفي ما كانت الجاهليّة تعتقده من أنّ المرض والعلّة تُعْدِي بطبعها لا بأمر الله، ويشهد لذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا عدوى ولا صَفَرَ ولا هامَةَ، فقال أعرابيّ: يا رسول الله: فما بال الإبل تكون في الرَّمْل كأنّها الظّباء، فيجيء البعير الأجرب، فيدخُلُ فيها؛ فيُجْربُها كلّها؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: فَمَنْ أعدى الأول؟ " (٣).

قالوا: وكيف يصحّ حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الوائدة والموءُودةُ في النّار "


(١) رواه البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٥٦) كتاب الإكراه، وأخرجه في كتاب الإيمان، وكتاب الأدب.
(٢) البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١٧) كتاب الطّب.
(٣) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٧/ج ١٤/ص ٢١٣) كتاب السّلام.

<<  <   >  >>