للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال للنَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: " ما أغنيت عن عمّك، فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟! قال: هو في ضحضاح من النّار، ولولا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النّار " (١).

ونزل في حرص النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ على إيمان عمّه قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} هدايته {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)} [القصص].

والهداية المنفيّة في الآية الكريمة هي هداية التّوفيق، فلا أحد يملكها إلاّ الله؛ وإلاّ لهدى نوح ـ عليه السّلام ـ ابنه، وهدى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أباه ... ولا تعارض بين الآية وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)} [الشورى]، إذ أنّ الهداية المثبتة هداية التّفسير والدّلالة والبيان ...

وتعجب حينَ تقِفُ على حقيقة أنَّ عمَّه الذي كانَ يَذُبُّ عنه وينصره كان مقيماً على دين قومه، ومع هذا ظلّ فوق أربعين عاماً يدافع عنه، ويعزّ جانبه، ويغضب له، ويردّ عنه القول والفعل!

أليس من باب أولى أن نَنْصُرَه ونعزِّرَه نحن أتباعه الذين آمنَّا بالله ورسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)} [الأعراف].

وما نصر أحد النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ على أعدائه بكبيرة أو صغيرة إلاّ كُتِبَ له ثَوابُ ذلك، قال تعالى: {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)} [التوبة].

لا عذر لنا عند الله إن خُلِصَ إلى رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ!

يوم أحد بعث رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ يطلب سعد بن الرّبيع


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤ / ص ٢٤٧) كتاب بدء الخلق.

<<  <   >  >>