للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت: " اعذرني عند أمير المؤمنين؛ حيث لم أحضر الوقعة، فقال الحسن ـ رضي الله عنه ـ: ما تصنع بهذا، لقد رأيتُه يَلوذُ بي وهو يقول: يا حسن ليتني متُّ قبل هذا بعشرين سنة! " (١).

وكذلك طلحة بن عبيد الله والزّبير بن العوّام تجنّبا القتال، فالمشهور أنّهما لم يقاتلا، فأمّا طلحة فأصابه سهم أوّل الأمر فقتل مظلوماً شهيداً، وأمّا الزّبير فرجع تاركاً للقتال فقتل مظلوماً شهيداً بوادي السّباع (٢) قرب البصرة مُنْصرفاً في طريقه إلى المدينة تاركاً للقتال، قتله ابن جرموز غدراً وغيلة.

ويؤيّد هذا أنّ ابنُ جُرْمُوز لمّا استأذن بالدّخول على الخليفة وكان في اعتقاده أنّه سينال حظوة عند الخليفة، قال عليّ ـ رضي الله عنه ـ يومها: " بشّر قاتل ابن صفيّة بالنّار " أخرجه أحمد والحاكم (٣) بسند صحيح عن زِرِّ بن حُبَيْش.

حادثة الجمل لم تقع بدافع العصبيّة

لم يكن في اعتقاد عائشة ـ رضي الله عنها ـ ومن معها أنّ فتنة ستقع، ولم يخطر ببال أحد منهم أنّه سيكون قتال بين المسلمين، خِلافاً لما يصوّره البعض من أنّ خروجهم كان لقتال عليّ الّذي تهاون في محاسبة قتلة عثمان بزعمهم، وأنّ خروجهم لا يسلم من العصبيّة والأهواء والمطامع والتّنازع على الملك وغير ذلك من الافتراء على الصّحابة ... ـ رضي الله عنهم ـ!

ومّما يدلّك على أنَّ حادثة الجمل لم تقع عن عصبية، ولم تحدث بتدبير من عائشة أو


(١) ابن حجر " المطالب العالية " (م ١٨/ص ١٤٤/رقم ٤٤٠٦) وقال المحقّق: صحيح بهذا الإسناد، ورواته ثقات.
(٢) وادي السّباع: الّذي قُتِلَ فيه الزّبير بن العوّام، بين البصرة ومكّة، بينه وبين البصرة خمسة أميال. ياقوت " معجم البلدان " (ج ٥/ص ٣٤٣).
(٣) أحمد " المسند " (ج ١/ص ٤٦٤/رقم ٦٨١) والحاكم في " المستدرك " (ج ٣/ص ٣٦٧) كتاب معرفة الصّحابة، وانظر " كتاب الثّقات " (ج ٢/ ص ٢٨٣) و " تاريخ خليفة بن خيّاط " (ص ١٨٦).

<<  <   >  >>