" تاريخ الأمم والملوك " للطبري أقدم مصدر من مصادر التّاريخ أَخرَج الرِّوايات مُعَنْعَنة، وكلّ من جاء بعده نقل عنه، أو اعتمد عليه. وقد أسند الطّبري الرِّوايات، ومن أورد السّند فقد أحالك وحمّلك مسؤولية التّثبّت من تلك الرّوايات، فبرئت ذِمَّتُه، وألقى بالعهدة على الرُّواةِ والقُرَّاء.
فقد أشار ـ رحمه الله ـ في مقدّمة كتابه أنّه لم يلتزم بإيراد الصَّحيح لعلل دعت إلى ذلك، فهو لم يلتزم النقل عمّن آمن واهتدى وصدّق بالحسنى فحسب، وإنّما نقل عن هؤلاء، وعن كلِّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ وعوى وغوى، وحمَّل رواته التَّبعة، وحمّل بذلك الدّارسين لكتابه البحث عن حال هؤلاء الرِّجال في كتب الرِّجال والجرح والتّعديل.
وللأسف، فقد وقع على هذه الرِّوايات كثير من الكتاب والقرّاء عبر العصور، دون نقدها، فلم يتثبّتوا من حال أسماء رواة هذه الأخبار، ولا من صحّة متونها، وسوّدوا هذه الأخبار والقصص والحكايات في كتبهم على ظاهرها؛ فقد حسبوا المتورِّمَ سميناً، واستعظموا ما ليس عظيماً، واغتروا بظاهر يخالف حقيقة الواقع، فكانوا كمن استسمن ذا وَرَمٍ.
فعمل هؤلاء الكتّاب على تكريس هذه الأخبار الباطلة في أذهان العامّة وبعض الخاصّة، فَضَلّوا وأضلّوا، وساهموا من حيث يعلمون أو لا يعلمون بإغراء العامّة ومن في