للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف لا نرضاهم لدنيانا، وقد رضيهم الله لدينه؟! هذا هو الحقّ، ومن لم ينفعه الحقّ أضرّه الباطل! أو كما قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢)} [يونس] أي كيف تصرفون عن الحقّ والإيمان مع قيام الحجّة والبرهان!

ليس في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُخالة!

دخل الصحابي الجليل عائذ بن عمرو ذات يوم على عبيد الله بن زياد ينصح له، ويبلِّغه العلم الذي عنده، فكان ممّا نصحه به ألَّا يَأخُذَ رَعِيَّتَهُ بالعنف بحيث يؤذيها ويحطمها بل يرفق بها، فلمّا سمع ذلك كره مقالته، ووصفه أنَّه من نخالة أصحاب الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - وليس من فضلائهم، فنصَّ الصحابيُّ الجليل عائذ ـ رضي الله عنه ـ على أنّ الصحابة كلّهم صَفْوةٌ عُدولٌ قدوة لا نخالة فيهم! وهذا من صادق الكلام الذي أدين الله به، ويجب أن ينقاد له كل مسلم؛ فهم المُثْنى عليهم في التوراة والإنجيل والقرآن، الّذين غاظ الله بهم الكفار، الذين ظاهرهم كباطنهم، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ... (١٨)} [الفتح] وقال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)} [المجادلة].

روى مسلم عن الحسن، أنّ عائذ بنَ عمرو ـ (وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: " أي بنيّ، إنّي سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنَّ شرَّ الرّعاء الحطمة. فإيّاك أن تكون منهم. فقال له: اجلس، فإنّما أنت من نُخالة أصحاب محمّد - صلى الله عليه وسلم - فقال: وهل كانت لهم نُخالة! إنّما كانت النّخالة بعدهم، وفي غيرهم " (١).

قلت: وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: " وإنّ أمّتكم هذه جُعِلَ عافيتها في أوّلها " (٢) فمن أراد أن يدرك العافية فليكن على ما كان عليه الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ فإنّ التشبّه


(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٦/ ج ١٢/ ص ٢١٥) كتاب الإمارة.
(٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٦/ج ١٢/ص ٢٣٣) كتاب الإمارة.

<<  <   >  >>