للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمّا الخفيّ الّذي عَزَّ معرفته على الكثير ممّن يُنَقِّبونَ عن المثالب ولا تعنيهم المناقب فهو أنّ معاوية كان يخشى من تأخير محاسبتهم أن يستطير شرُّهم، وأن يكثر عليهم أمثالُهم من المنافقين وأراذل النّاس، فيصيب عليّاً ما أصاب عثمان، ويستبيحوا بَيْضَةَ الإسلام مرّتين!

نعم كان يخشى على عليّ منهم، قال الطحاوي: " ثمّ جرت فتنة صِفِّين لرأي، وهو أن أهل الشّام لم يعدل عليهم، أو لا يتمكّن من العدل عليهم ـ وهم كافّون، حتّى يجتمع أمر الأمّة، وأنّهم يخافون طُغْيانَ مَنْ في العسكر، كما طَغُوا على الشَّهيد المظلوم " (١).

ولو شاء الله أن يجتمع عليّ ومعاوية على هؤلاء البغاة ما وقعت حادثة الجمل ولا صفّين {وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ... (٤٢)} [الأنفال].

وعلى ذلك فإنّ معاوية محقّ في طلبه، سليم في نيّته، لكن عظيم مصابه في عثمان ـ رضي الله عنه ـ جعله يتشدّد في طريقة الطّلب بدمه، إلى حَدٍّ طلب فيه حقّاً وقاتل عليه.

من الأدلّة على أنّ عليّاً ومن معه أولى بالحّق من معاوية وصحبه

نحن نعلم أنّنا أقلُّ من أنْ نتكلّم فيما جرى بين الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ، فالصَّحابة زَكَّاهم الله تعالى، ومن زكّاه الله فقد أغناه عن تزكية أحد. ولذلك لا يحتاج واحد منهم إلى الدِّفاع عنه، لكن كثرة الرّوايات الباطلة دفعتنا إلى الكشف عن الحقّ من بين ركام الزَّيْف، فالرّوايات لها زيف مثل زيف الدّراهم، تحتاج إلى نقد وتمييز.

وحتّى لا نُتَّهَمُ بالميل إلى معاوية دون وجه حقّ نقول: هناك أدلّة قاطعة على أنّ عليّاً ومن معه أولى بالحقّ من معاوية وأصحابه، منها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " تَمْرُقُ مارقة عند فُرْقة من المسلمين يقتلهما أولى الطّائفتين بالحقّ " (٢) والمارقة هم الخوارج، وقد وَلِي قتلهم عليّ ـ رضي الله عنه ـ ومن معه، فدلّ هذا الحديث على أنّ عليّاً ومعاوية متعلّقان بالحقّ ولكنّ عليّاً الأقرب إليه.


(١) الطحاوي " شرح العقيدة الطحاوية " (ص ٥٤٦).
(٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٤/ج ٧/ص ١٦٨) كتاب الزّكاة.

<<  <   >  >>