للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" حضَرْنا عمرو بن العاص وهو في سِيَاقَة الموت، فبكى طويلاً وَحَوَّل وَجْهَه إلى الجدار فجعَل ابنُهُ يَقُولُ: يا أبتاهُ، أمَا بَشَّرَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا، أما بَشّركَ رَسُولُ الله بكذا، قال: فَأقْبلَ بوجْهِهِ، فقال: إنّ أفْضَلَ ما نُعِدُّ شهادة أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كُنْتُ على أطْباقٍ ثلاث: لقد رأيْتُني وما أحدٌ أشدَّ بُغْضاً لرسول الله منّي ولا أحَبَّ إليَّ أنْ أكونَ قد اسْتَمْكنْتُ منْهُ فَقَتَلتُهُ، فلو مُتُّ على تلك الحال لكنْتُ من أهلِ النَّار، فلمّا جَعَلَ اللهُ الإسلامَ في قلبي أتَيْتُ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلتُ: ابْسُط يَمِينكَ فَلأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قال: فَقَبَضْتُ يَدي، قال: مَالكَ يا عمرو؟ قال: قلْتُ أرَدْتُ أن أشْتَرط، قال: تَشْتَرطُ بماذا؟ قُلْتُ: أنْ يُغْفَرَ لي، قال: أما عَلمْتَ أنّ الإسلامَ يَهْدِمُ ما كان قَبْلَهُ، وأنّ الهجرةَ تَهْدِمُ ما كان قبْلها، وأنّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كان قَبْلَهُ.

وما كان أحَدٌ أحَبَّ إليَّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أجلَّ في عيني مِنْهُ، وما كنْتُ أُطِيْقُ أنْ أمْلأ عَيْنَيَّ مِنْهُ إجلالاً لهُ، ولو سُئلْتُ أن أصِفَهُ ما أطقْتُ؛ لأنّي لم أكنْ أملأ عَيْنَيَّ مِنْهُ، ولو مُتُّ على تلكَ الحَال لرجوْتُ أن أكونَ من أهل الجَنّة، ثمَّ وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حَالي فيها، فإذا أنا مُتُّ فلا تَصْحَبْني نائحةٌ ولا نَارٌ، فإذا دَفَنْتُموني، فَشُنُّوا عليَّ التُّرابَ شَنّاً، ثمَّ أقيموا حَولَ قَبْري قَدْرَ ما تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لحْمُها؛ حتَّى أسْتَأنِسَ بكم، وأنْظُرَ ماذا أراجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي" (١).

ما جرى بين الصَّحابة لا يؤثِّر في عدالتهم

ورغم ما جرى بين الصّحابة، فإنّ ذلك لا يؤثِّر في عدالتهم، ولا يحتاج أحدهم بعد تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديلِ أَحَدٍ من الخلق، فقد نَصَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على عدالتهم، فقال: " خير أمّتي قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم ... ثم إنّ بعْدَكم قوْماً يَشْهَدون ولا


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ١/ج ٢/ص ١٣٨) كتاب الإيمان، وذكر ... نحوه الذّهبي وفي آخره أنّه قال: " ... ولكن لا إله إلاّ أنت، وما زال يقولها حتّى مات " الذّهبي " سير أعلام النّبلاء " (ج ٣ /ص ٧٧) وقال المحقّق: إسناده قويّ.

<<  <   >  >>