بل هو معصوم قبل البعثة، وفي الحديث عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ قال:" سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ... فوالله ما هَمَمْتُ بعدها أبداً بسوء ممّا يعمل أهل الجاهليّة حتّى أكرمني الله تعالى بنبوّته " (١).
قولهم: إذا لم يكن للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذنب، فماذا غفر الله له؟!
أعطى الله تعالى لنبيّه محمّد - صلى الله عليه وسلم - أمَاناً فعاش - صلى الله عليه وسلم - آمناً مطْمَئنّ النّفس، قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)} [الشّرح] وهذه الآية الكريمة الّتي تبيّن مقام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المحمود عند الله تعالى، أشكل فهمها على البعض وظنّ أنّ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أوزاراً وذنوباً حطّها الله عنه.
ومن الآيات التي يوهم ظاهرها أنّ للرسول ذنوباً وأشكل فهمها عليهم واحتجّوا بها، قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ... (٢)} [الفتح].
وقد رأيت من يخوض في هذه الآية الكريمة ونظائرها بغير سلطان، فتذكرت قول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... (٦٨)} [الأنعام] وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)} [الأنعام] وخلاصة احتجاجهم قولهم: إذا لم يكن للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذنب، فماذا غفر الله تعالى له؟ وبأيّ شيء امتنّ عليه في ذلك؟
والجواب، أنّ قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ... (٢)} [الفتح] يُسْتَدَلُّ به على عصمة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن المعاصي، أمّا من أشكل عليه فهم الآية، وتوهّم أن الغفران يستوجب وقوع الذّنب منه - صلى الله عليه وسلم -، فالجواب أنّ غفران ما تقدّم هو العفْوُ
(١) الحاكم " المستدرك " (ج ٤/ص ٢٤٥) كتاب التّوبة والإنابة، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وذكر نحوه النّووي في " تهذيب الأسماء واللغات " (ص ٨٥) فصل في رضاعه ومرضعاته.