للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به فعَلِمَ وعلّمَ، ومثل من لم يرفعْ بذلك رأساً، ولم يقبلْ هُدى الله الّذي أرسلت به " (١).

فَمنَ النَّاس من انتفع بهدي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلِمَ وعَمِلَ وعلّمَ، فهو بمنزلة الأرض الطّيّبة الّتي قبلت الماء فانتفعت به، وأنبتت فنفعت غيرها.

ومنهم من جمع هديه - صلى الله عليه وسلم - لكنّه لم ينتفع به لنفسه، وإنّما أدَّاه لغيره، فهو بمنزلة الأرض الّتي يستقرّ فيها الماء ولا تنتفع به، وإنّما ينتفع النّاس به.

ومنهم من سمع بهديه - صلى الله عليه وسلم - لكنّه لم يحفظه، ولم يعمل به، ولم ينقله لغيره، فمثله كمثل أرض أصابها غيث، لكنها قيعان صمّاء لا تمسك ماء ولا تنبتُ كلأ، وهذه الطّائفة مذمومة.

دعوى أنّ الأنبياء ارتكبوا ما يخالف عصمتهم!

حفظ الله تعالى رُسُلَه من مخالفة أوامره، كما حفظهم من الوقوع في نواهيه، ولذلك أمر بالاقتداء بهم، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... (٦)} [الممتحنة] وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ... (٩٠)} [الأنعام].

ولذلك فإنَّ أمرَ الله تعالى باتِّباع رسله في اعتقاداتهم، وأفعالهم، وأقوالهم، وأخلاقهم، يُثْبتُ أنّهم منزَّهون عن السيِّئات، معصومون من الصغائر كعصمتهم من الكبائر {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ... (١٦١)} [آل عمران]، ويستوجب أنهم لا يتَّصفون إلا بالأخلاق العظيمة التي تجعل منهم أسوة حسنة، وقدوة طيبة.

فالله تعالى هو الذي علّمهم فأحسن تعليمهم، وأدّبهم فأحسن تأديبهم؛ وجعلهم مثلاً أعلى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (٧٣)} [الأنبياء] نعم كانوا أئمة في التقوى يأتمّون بمن


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٨/ج ١٥/ص ٤٦) كتاب الفضائل. والبخاري " صحيح البخاري " (م ١/ج ١/ص ٢٨) كتاب العلم.

<<  <   >  >>