ويزهدون في الإجابات ويخبّئونها! أو كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)} [يونس].
دعوى أنّ الحديث الشّريف يعارض جزم القرآن بمستقبل الإسلام
هناك من يرسم صورة قاتمة لمستقبل الإسلام والمسلمين، ويصوّر أنّ هذه الأمّة قدرها ألاّ تنهض، وأن تعيش على أمجاد الماضي، ويؤصِّل ذلك على أحاديث شريفة، يسوقها على ظاهرها، بعد أن أشكل عليه فهمها، ليعارض بها جزم القرآن بمستقبل الإسلام من جهة، ويقنّط النّاس من الخير من جهة أخرى، وشرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة الله.
ومن هذه الأحاديث الّتي يثيرونها ما رواه البخاري عن الزّبير بن عديّ، قال:" أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجّاج، فقال: " اصبروا فإنّه لا يأتي عليكم زمان إلاّ الّذي بعده شرٌّ منه حتّى تلقوا ربّكم، سمعته من نبيّكم - صلى الله عليه وسلم - " (١).
ويظنّون أنّ الصّحابيّ أنس ـ رضي الله عنه ـ فهم التّعميم؛ بدليل أنّه يخاطب جماعة من التّابعين، والمعنى في ظنّهم أنّ كلّ زمان لا بدّ أن يكون ما بعده شرّ منه إلى قيام السّاعة، وهذا كلام يورث اليأس في النّفوس!
والجواب، ما الّذي يمنع أن يكون من بين الّذين شكوا لأنس صحابة، وأنّه كان يعنيهم؟! فإنّ عصر الحجّاج بن يوسف كان فيه غير صحابيّ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى ذلك فالحديث ليس على عمومه، وإنّما يختصُّ بالصّحابة، فأمّا من يأتي بعدهم فلم يُقْصَدْ في الخبر.
ولعلّ ما يؤيّد ذلك أنّ عصر عمر بن عبد العزيز، وهو بعد زمن الحجاج بقليل لا يفضّل على زمن الحجّاج، مع أنّ زمن عمر قد اشتهر فيه الخير وكثر، غير أنّه لم يكن في عصره أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ ص ٩٠) كتاب الفتن.