للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبب تشدّد معاوية في الطّلب بدم عثمان

وقد يسأل سائل: ما الحكمة من إصرار معاوية على الاقتصاص من قتلة عثمان في الحال؟! أما وسعه أن يطيع أمر الخليفة الّذي يرى أنَّ التَّريُّثَ هو السّبيل إلى النّيل من قتلة عثمان؟! أم أنّ لمعاوية مآرب أخرى؟

قد يتوهّم متوهّم أنّ العصبيّة وراء تشدّد معاوية، فهو يطلب بدم ابن عمّه، أو أنّ وراء ذلك طلب السّيادة والملك.

أمّا العصبيّة فلا، فدعوى الجاهليّة عند الصّحابة موضوعة؛ لأنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خطب فيهم يوم عرفة، وقال: " ألا كُلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمَيَّ موضوع" (١) وما وَضَعَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وضعه الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ، لكنّه ـ رضي الله عنه ـ كان يرى أنّ له سلطاناً، فالله تعالى يقول: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ... (٣٣)} [الإسراء].

وأمّا المُلْك فلا؛ لأنّ معاوية لا يَسْأل الإمارة، فهو يعرف قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا خاطب عبد الرّحمن بن سمرة، وقال له: " لا تسأل الإمارة فإن أعطيتها عن مسألة وكِلت إليها " (٢) والصّحابة لا يُؤَمِّرون أحداً يسأل الإمارة أو يحرص عليها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لرجلين من قوم أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ: " إنّا لا نولّي هذا مَنْ سأله ولا من حرص عليه " (٣).

ولكنَّ وراء تشدّده أَمْرَين فيما نعتقد: ظاهر، وخفيّ. أمّا الأمر الظّاهر فهو أنّ البغاة على الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ اجترؤوا على رأس الدّولة، وهو خير من طلعت عليه الشّمس بعد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخليفتيه، فكأنّ معاوية ـ رضي الله عنه ـ لا يرى لنفسه عذراً أمام الله إن تهاون بالطّلب في دم عثمان، والبغاة يرتعون ويلعبون في أرض الهجرة وقبّة الإسلام ودار الإيمان، لا سيّما وأنّ له شوكة عليهم.


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٤/ج ٨/ص ١٨٢) كتاب الحجّ.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ١٠٦) كتاب الأحكام.
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ١٠٧) كتاب الأحكام.

<<  <   >  >>