للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} [الحشر].

الدّليل على أنّ الفئة الباغية لا تخرج بالبغي عن تسمية الإسلام

فإن اعتلَّ أحدهم بما جرى بصفّين، وقال: إنّ معاوية بَغَى على عليّ، بدليل قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعمّار: " وَيْحَ عمَّار تقتُله الفئة الباغية، عمّارٌ يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النّار " (١) وقَاتِلُ عمار من فئة معاوية فلزم أنّهم الفئة الباغية، كما لزم خروجهم عن العدالة.

قلنا: فإنَّ هذا أقلّ من أن نردَّ عليه؛ ذلك أنَّ الله تعالى، قال {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... (٩)} [الحجرات] فسمّاهم مؤمنين مع الاقتتال، وهذا صريح على بقائهم أجمعين على الإيمان.

وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يُصلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " (٢) فَسَمَّى - صلى الله عليه وسلم - الجميع مسلمين مع الاختلاف، وهذا صريح على بقائهم كلّهم أجمعين على كمال الإسلام؛ لأنّهم مجتهدون متأوّلون، فهم معذورون فيما شجر بينهم.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم السّاعة حتّى تقتتل فئتان دعواهما واحدة " (٣) والفئتان هما جماعة عليّ وجماعة معاوية، والمراد بالدّعوة كما قال ابن حجر: " الإسلام على الرّاجح، وقيل المراد اعتقاد كلّ منهما أنّه على الحقّ " (٤).

قلنا: فإن كان المراد الإسلام فقد أثبت - صلى الله عليه وسلم - الإسلام لهما مع الاقتتال، وإن كان المراد


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ٢٠٧) كتاب السّير.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ١٦٩) كتاب الصّلح.
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٥٣) كتاب استتابة المرتدين.
(٤) ابن حجر " فتح الباري " (ج ١٣/ ص ٢٥٥).

<<  <   >  >>