للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقع المستشرقون عبر العصور بالخطأ عينه، فنقلوا من كتب التّراث، واعتمدوا على كُتَّاب السّيرة الأوائل من المسلمين، وكتبهم غير محقّقة ولم تسلم من التّصحيف والتّحريف، فلم يتبيّن لهؤلاء المستشرقين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وظنّوا أنّ تاريخ المسلمين ما وجدوه مسطوراً في هذه التّركة من الكتب الّتي جاءت بعد الأمويين من أصحاب الأهواء والبدع، فأخذوا هذه الرّوايات، وجعلوا ما يوافق أهواءهم عُمْدَة، وما يخالفها ردّوه ما استطاعوا إليه سبيلاً، أو لوّوا به ألسنتهم إن لم يسعهم إنكاره!

وهم لا يملكون القدرة على محاكمة هذه الرّوايات التّاريخيّة؛ لجهلهم بعلم الجرح والتّعديل، فضلاً عن أنّ هذا العلم لا يخدمُ أهدافَهم، زد على ذلك جهلهم باللغة العربيّة وعلومها وأسرارها، وكلّ هذا يؤكّد الحاجة إلى تحقيق كتب التّراث لتغيير فهم المسلمين خاصّة والنّاس عامّة لتاريخ المسلمين الأوائل، الّذي لا نخشى الحديث عنه؛ إذ لو كان ذلك صحيحاً لاقتضى أنّ لهم فيه أعمالاً تَحُطُّ من شأنهم، وهذا ما لا يقوله مسلم، ولا يتصَوَّرُهُ عاقل.

[سبب خروج عائشة ـ رضي الله عنها ـ ومن معها إلى البصرة]

ومّما كثر اللغط فيه ما جرى بين الصّحابة في الجمل وصفّين (١)، فما انفكّ أقوام يَثْلِبُونَ الصّحابة الّذين انعقد على عدالتهم الإجماع، ونطقت بذلك الآيات الصِّراح، وشهدت بذلك الأحاديث الصّحاح.

وقد آثرت أن أبيّن حقيقة ما جرى بينهم لِعزَّته، وقلّة من أحاط بعلمه، ولأنّ هناك مسائل أعيا كثيراً من النّاس جوابها؛ فالقارئ في كثير من الكتب يقف فاغراً فاهاً أمام ما يجدُه في صفحاتها من هول ما يقرأ!

فبعد أن قُتل الخليفةُ عثمانُ ـ رضي الله عنه ـ في داره وهو يقرأ كلام الله في المُصْحَفِ الذي جَمَعَ النَّاس عليه، وفاض دمه على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ


(١) صفّين: مدينة قديمة على شاطئ الفرات بين الرّقّة ومنبج.

<<  <   >  >>