للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمهم على تنقيص الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ!

وليس يغني عن كاتب أو جاهل قول راوٍ عن فلان، وقوله عن فلان، إذا لم يتثبّت من حال فلان وفلان؛ فالرّوايات التّاريخيّة قوامها علم الجرح والتّعديل. ولأنّ السّند هو الأصل، والمتن هو الفرع، فإنّه يشترط لصحَّة الفرع سلامة الأصل، ولذلك يجب النّظر فيمن تُقْبَلُ روايته أو تُرَدُّ، وذلك يتأتّى ممّن رأيه يُعْتَمد وممّن قوله يُعْتدّ به.

ولا أدري كيف يجهل النّاس أنّ كثيراً من الرِّوايات التّاريخيّة موضوعة؛ فلم تسلم الرّواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوضع، فهناك آلاف الأحاديث الموضوعة والمنكرة والشّاذة والمكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان الأمر كذلك في الحديث الشّريف، فهل يسلم الحديث عن الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ من الدَّسِّ وإخفاء المكر؟!

وأنا على يقين أنّ غيرَ كتاب من كتُب التّراث تعرّضت أصوله للتّحريف والتّصحيف من النّاشرين وغيرهم قبل أن تصل إلينا هذه الكتب؛ فقد وقعت هذه المخطوطات في أيد غير أمينة زمناً طويلاً.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك كُتُبا محقّقة لا تساوي ثمن الحبر الّذي كُتِبَتْ به؛ فالمحقّقون على مشارب: فمنهم المتشدّد في الحقّ وهذا يؤخذ عنه ولا مانع من تعقّبه، ومنهم المتساهل وهذا لا يؤخذ منه، ومنهم القوام بين ذلك وهذا يؤخذ منه ويُردّ عليه، ومنهم من نَزَعَهُ عِرْقٌ وغلبه هوى فهو يرمي إلى تأييد مذهب أو إثبات معتقد وهذا يُحْذر منه، ومنهم من زاد في تحقيقه الطّين بِلَّة عامداً متعمِّداً فكان كمن {فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩)} [المدّثّر] وهذا أمره إلى الله، ومنهم الجاهل الّذي يسعى إلى شهرة بائسة فوضع اسمه على هذه الكتب بدعوى تحقيقها، وهذا لم يأتنا بِهَلَّة ولا بَلَّة، وإنّما جاءنا ببَقبَقة في زَقزَقة يفتخر بما ليس عنْده، ومثله كمثل الحَادِي وليس له بعير ينتفخ بما لا يملك، وما أكثر هؤلاء! والله نسأل أن يجنِّبنا حبّ الظهور الّذي يكسر الظّهور ويذهب بالأجور، وهذا يصدق فيه قول الشّاعر:

ألقابُ مملكة في غير موضعها ... كالهرّ يَحْكي انتفاخاً صَوْلة الأسد

<<  <   >  >>