قضتْ من شأنها أقبلت إلى الرَّحْل فلمست صدرها فإذا عقدها قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدها فحبسها ابتغاؤه، فكان ما كان من حديث الإفك حتّى برّأها الله ممّا قالوا.
والثّانية: لمّا خرجت إلى البصرة تركب جملها لتصلح بين النّاس فكان ما كان في حادثة الجمل، وحسب عائشة ـ رضي الله عنها ـ شرفاً أنّها خُلقِت طيّبة ووعدت بمغفرة ورزق كريم، قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)} [النّور] فشهد الله لها أنّها في الجنّة! {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)} [الأعراف].
الرَّدُّ على مَنْ طَعَنَ على عائشة بقوله - صلى الله عليه وسلم - " لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة "
هذا الحديث الشّريف لم يَعْنِ به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وإنّما قاله - صلى الله عليه وسلم - لمّا بلغه أنّ فارساً ملّكوا ابنة كسرى بعدما هلك كسرى، فقد أخرج البخاري عن أبي بكرة، قال:" نفعني الله بكلمة أيّام الجمل، لمّا بلغ النّبيَّ أنّ فارساً ملّكوا ابنة كسرى، قال: لن يفلحَ قومٌ ولّوا أمرهم امرأة "(١).
وظاهر الكلام يوهم بأنّ أبا بكرة ـ رضي الله عنه ـ يُضَعِّفُ رأي عائشة ـ رضي الله عنها ـ في خروجها، وليس الأمر كذلك؛ فالمشهور أنّه كان على رأي عائشة في طلب الإصلاح، لكنّه لمّا رأى ما آلت إليه الأمور اعتزل القتال مستفيداً من حديث النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَقِّ ابنة كسرى، وغلب على ظنّه أنّهم سَيُغْلَبُون على أمرهم.
فإن قال قائل: لكنَّ الحديث يفهم منه العموم؛ لأنّ كُلًّا من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة): نكرة وقعت في سياق النَّفي فتعمّ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب، كما هو معلوم في الأصول؟ فالجواب: أنّ المراد بالولاية: الولاية العامّة لا الولاية الخاصة، والصّحابة لا يجهلون أنّ المرأة لا تتولى الإمارة، وعائشة لم تكن تتولى إمرة أحد من المسلمين لا ولاية عامّة ولا خاصّة! والرّوايات الّتي تصّور عائشة أنّها كانت تقود جيشاً لا تصحّ.
(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٩٧) كتاب الفتن.