للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله ورسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ؟! لكنّهم لم يتفرّدوا به، وإنّما شاركهم به المهاجرون، كما أنّ للتابعين حظاً منه.

" المحيا محياكم والمماتُ مماتكم "

ولمّا فتح النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مكّة ورأى الأنصار رأفة النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بأهلها وكفّ القتال عنهم، ظنّوا أنّه يرجع إلى سكنى مكّة والمقام فيها ويهجر المدينة وأهلها، فشقّ ذلك عليهم، فأوحى الله تعالى إلى رسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، فأعلمهم النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بقولهم، ثمّ أخبرهم بأنّه ملازم لهم لا يحيا إلاّ عندهم ولا يموت إلاّ عندهم، ففاضت أعينهم من الدمع فرحا بما سمعوا من الرّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ:

" يا مَعْشَرَ الأنصار، قالوا: لبّيك يا رسول الله، قال: قُلْتُم أمّا الرَّجل فأدركتْه رغْبَة في قَرْيَته، قالوا: قد كان ذاك، قال كلاّ إنّي عبدُ اللهِ ورسُوله، هاجرتُ إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والمماتُ مماتُكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الّذي قلنا إلاّ الضّنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم " (١).

ولمّا أفاءَ الله على رسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يوم حُنَيْن بعد أيّام من فتح مكّة، قسم في النّاس ولم يعطِ الأنصارَ شيئاً، فكأنّ ناسا منهم حديثة أسنانُهُم (٢) وَجَدُوا؛ إذ لم يُصِبْهم ما أصاب الطّلقاء، وكان النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قد أعطى رجالا من قريش حديث عهد بجاهليّة يتألّفهم، فلّما حُدِّث رسولُ الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بمقالتهم من أنّه أعطى قريشاً وتركهم، أرسل ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إلى الأنصار، فجمعهم في قبّة، وخطبهم، فلمّا علموا ما خفي عليهم من الحكمة رضوا بأن تكون غنيمتهم الكبرى مجاورة النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ حيّاً وميّتاً، قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ:

" يا معشرَ الأنصارِ، ألمْ أجدْكُم ضُلاّلاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي؟ وعالةً فأغناكُمُ اللهُ بي؟ كُلّما قال شيئا قالوا: اللهُ ورسوله أمَنُّ، قال: ما يَمْنَعُكم أن تجيبوا


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٦/ج ١٢/ص ١٢٨) كتاب الجهاد والسّير.
(٢) ليسوا من فقهاء الأنصار أو رؤسائهم.

<<  <   >  >>