ما حقيقة ما جرى في التّحكيم؟ وما الأمر الّذي اجتمع لأجله الحكمان؟ وعلام اتّفقا؟ وما نتائج التّحكيم؟
تَقَدَّمَ أنّ حاصل الخلاف بين عليّ ومعاوية أنّ معاوية كان يعتقد بوجود قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ في الجانب العراقي، فاعتلّ بأنّ عثمان قُتِلَ مظلوماً، وهو وليّ دمه، وتجب المبادرة إلى الأخذ على يد قَتلتِه، وأنّ له شوكة على ذلك، فالتمس من عليّ ـ رضي الله عنه ـ أن يأخذ له حقّه في حينه وفي وقته، أو يسلّمه إيّاهم ويمكّنه منهم؛ ليأخذهم بعثمان ـ رضي الله عنه ـ ثمّ يسلّم له، أمّا عليّ ـ رضي الله عنه ـ فكان يرى تأخير ذلك حتّى يتوطَّدَ الأمرُ له ويُخْضِعَ البلاد، وأنّه هو الخليفة الواجب طاعته، وليس على معاوية إلاّ السّمع والطّاعة، وأنّ الله تعالى أَذِنَ بقتال الفئة الباغية حتّى ترجع إلى الحقّ.
ولذلك فإنّ اجتماع الحكمين كان للنظر في قضية مقتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ، والنّظر في الخلاف الّذي نشأ عن ذلك بين معاوية وعليّ ـ رضي الله عنهما ـ: معاوية الّذي يرى أنّ له الحقّ في الطلب بدم عثمان ـ رضي الله عنه ـ ومحاسبة قتلته، وعليّ ـ رضي الله عنه ـ الّذي يرى الاجتماع على الطّاعة ووحدة الجماعة، ليقوى على وضع الحقّ مواضعه، ثمّ يطلب منه أولياء الدّم بعد ذلك القصاص ممّن يثبت عليه قتل عثمان أو الممالأة على دمه.
فاجتمَعَ الحكمان للنظر في رأي من يستحقّ أن يُقَدّم على الآخر، وكيف السّبيل إلى الخروج من هذه الشّدّة، ولم يجتمعا للنّظر في عزلِ أحدٍ، وما كان لأبي موسى وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن يخلعا خليفة انعقدت له البيعة من أهل الحلّ والعقد! وليس في كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يُوجِبُ خلعَ عليّ ـ رضي الله عنه ـ فلم يظهر منه ما يوجب خلعه.
قال محمّد بن حبّان: " فلما دخلت السنة الثامنة والثلاثون اجتمعوا لميعادهم مع الحكمين ولم يخرج عليّ بنفسه ووافى معاوية في أهل الشام وكان بينه وبين أبي موسى الأشعري