للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما كان وافترق النّاس ورجعوا إلى أوطانهم " (١).

وأَصَحُّ ما روي في هذا الشّأن ما ذكره ابن عساكر عن حضين بن المنذر، وهو أحد قادة جيش عليّ، ومن كبار التّابعين الثّقات، فقد أرسل إليه يومها معاوية، وكان قد بلغه ما يكره من أمر الحكمين، وهذا يدلّك على أنّ تلفيق الأخبار وإثارة الشّائعات حول حقيقة قرار الحكمين قد بدأ مبكّراً وأنّه دُبِّر بليل.

قال معاوية: " إنَّه بلغني عن عمرو بعض ما أكره، فَائْتِه فاسأله عن الأمر الّذي اجتمع هو وأبو موسى فيه، كيف صنعا؟ قال: فأتيته، فقلت: أخبرني عن الأمر الّذي اجتمعتما فيه أنتَ وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال النّاس، والله ما كان ما قالوا، ولكن لمّا اجتمعْتُ أنا وأبو موسى قلتُ له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنّه في النَّفر الّذي توفِّيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ، قال: فقلتُ: أين تجعلني من هذا الأمر أنا ومعاوية؟ وقال: إنْ يُسْتعن بكما ففيكما معونة، وإن يُسْتَغْنى عنكما فطالما استغنى أمرُ الله عنكما " (٢).

هذا هو قرار الحكمين: رَدُّ الخلاف الّذي بين عليّ ومعاوية إلى أهل الشّورى الّذين توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، فهم أجدر ببحثه، ورأيهم أدعى للقبول.

وأهل الشّورى الّذين نَصَّ عليهم عمر لمّا حضرته الوفاة ستة نفر، قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: " ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر أو الرّهط الّذين توفِّيَ رسول الله وهو عنهم راض، فسمّى: عليّا، وعثمان، والزّبير، وطلحة، وسعداً، وعبد الرّحمن، وقال: يشهدُكم عبد الله بن عمر (٣)، وليس له من الأمر شيء " (٤).


(١) ابن حبان " الثقات " (ج ٢/ص ٢٩٧)
(٢) ابن عساكر " تاريخ مدينة دمشق " (ج ٤٦/ص ١٧٥) وذكره ابن العربي في " العواصم من القواصم " (ص ١٨١) وعزاه إلى الدّارقطني.
(٣) وعبد الله بن عمر لم يعدّه من أهل الشّورى ولكن جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك.
(٤) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٢/ص ٢٠٦) كتاب بدء الخلق.

<<  <   >  >>