للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأدلّة: قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعمّار: " وَيْحَ عمَّار تقتُله الفئة الباغية" (١) وعمّار ـ رضي الله عنه ـ كان في صفّ عليّ ـ رضي الله عنه ـ ولم يكن في صفّ معاوية ـ رضي الله عنه ـ.

بطلان خبر رفع المصاحف على الرّماح

وما حدث بين عليّ ـ رضي الله عنه ـ بعد أن بويع بالخلافة، وبين معاوية ـ رضي الله عنه ـ الّذي كان يومها عاملاً على دمشق ممّا لا يمكن العلم بدقيقه وصغيره، والقول المفصّل فيه قول بلا علم، لأنّ الأخبار الصّحيحة شحيحة.

فخبر الاقتتال على الماء، وخبر دعاء عليّ معاوية إلى الطّاعة والجماعة، وخبر رفع المصاحف على الرِّماح والدُّعاء إلى الحكومة (الاحتكام)، جُلُّ هذه الأخبار لا تصحُّ؛ فقد أخرجها الطّبري من طريق أبي مخنف، وأبو مخنف لا يوثق به، وستأتي ترجمته، وأخرج طرفاً من هذه الأخبار من طريق الزّهري، والزّهري لم يدرك هذه الأحداث.

وسأجتزئ بعض هذه الأخبار المفضوح كذبها لدراستها، بعد أن أذاعها مَنْ أذاعها، وصدّقها من صدّقها، فَضَلَّ مَنْ ضَلَّ، وخَسِرَ من خسر! ثمّ أسوق بعد ذلك ما صحّ من الأخبار وما يطمئنّ له القلب من الآثار؛ لأعارض تلك الأخبار وأَرُدَّها.

فقد أخرج الطّبري من طريق أبي مخنف، أنّ عمرو بن العاص أشار على معاوية أن يرفعوا المصاحف على الرّماح ليوقعوا الفرقة في جيش عليّ، قال أبو مخنف:

" فلمّا رأى عمرو بن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ، وخاف في ذلك الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعاً ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال: نعم، قال: نرفع المصاحف، ثمّ نقول: ما فيها حكم بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول: بلى ينبغي أن نقبل، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا: بلى نقبل ما فيها رفعنا هذا القتال عنّا، وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين فرفعوا المصاحف بالرّماح،


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ٢٠٧) كتاب السّير.

<<  <   >  >>