للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ـ رضي الله عنه ـ بين هؤلاء وهؤلاء. وبعد أنْ اطمأنّ الفريقان أنشبوا السّهام، وبذلوا السُّيوفَ فيهم، فنشب القتال على غير نيّة، فأخذت كلّ طائفة تدفع عن نفسها، وهي تظنّ أنّ الأخرى بدأتها القتال، فكلتا الطائفتين محقّة في غايتها، سليمة في نيتها، مدافعة عن نفسها، بمثل هذا أجاب غير عالم من علمائنا عن سبب وقوع القتال.

وقد أشار الطّبري إلى هذا الأمر، فقال: " ... فباتوا على الصّلح، وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الّذي أشرفوا عليه، والنّزوع عمّا اشتهى الّذين اشتهوا، وركبوا ما ركبوا، وبات الّذين أثاروا أمر عثمان بشرّ ليلة باتوها قطّ، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلّها حتّى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السِّرِّ، واستسرُّوا بذلك خشيةَ أن يفطنَ بما حاولوا من الشَّرِّ، فغدوا مع الغَلَس وما يشعرُ بهم جيرانُهم، انسلّوا إلى ذلك الأمر انسلالاً، وعليهم ظلمةٌ ... فوضعوا فيهم السّلاح، فثار أهل البصرة، وثار كلّ قوم في وجوه أصحابهم ... ونادى عليّ في النّاس: أيّها النّاس، كُفُّوا، فلا شيء " (١).

المنافقون يُؤَجِّجُونَ الفتنة بقتل كبار الصّحابة

أورد البخاري من حديث عمرو بن جاوان، قال: " والتقى القوم ـ يعني يوم الجمل ـ فقام كعب بن سور الأزدي معه المصحف ينشره بين الفريقين، وينشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال بذلك المنزل حتّى قُتل طلحة أوّل قتيل، وذهب الزّبير يريد أن يلحق به فقُتل " (٢).

وانظر كيف بدأت هذه الحادثة بقتل صحابيين جليلين، فقد سارع المنافقون إلى قتلهما لإشعال الفتنة بين المسلمين وإذكاء نارها، وتأجيج أوارها، خشية أن يجتمعوا عليهم بعد أن


(١) الطّبري " تاريخ الأمم والملوك " (ج ٣/ص ٥١٧) وإسناده ضعيف، ولكنّ متنه ممّا لا يُسْتَبْعَد، ونقله ابن الأثير في " الكامل في التّاريخ " (م ٢/ص ٣٣٦) وغيره في غيره.
(٢) البخاري " التّاريخ الأوسط " (ص ٤١/ رقم ٢٩٠) والخبر في " " تاريخ خليفة بن خيّاط " (ص ١٨٥) وفي " سير أعلام النّبلاء " (ج ١/ص ٣٥) وقال المحقّق: وفيه ابن أعين، وعمرو بن جاوان لم يوثّقه غير ابن حبّان.

<<  <   >  >>