معاوية يرسل بمصحف إلى عليّ ليحتكموا إليه
ثبت في الحديث الصّحيح أنّ معاوية ـ رضي الله عنه ـ لمّا استحَرَّ القتل آوى بجيشه إلى تلّ يعصمه منَ القتال، فأشارَ عليه عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن يرسلَ بمصحف مع رجل إلى عليّ ليحتكموا إلى كتاب الله، فإنّ عليّاً لن يأبى عليه!
قلتُ: وانظر حسنَ الظَّنِّ، فهو لا يظنّ بعليّ إلاّ خيراً، ثمّ انظر كيف كان القرآن في حياتهم شعاراً والسّنّة دثاراً.
فلمّا جاء الرّجل عليّا بالمصحف، رأى عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ أنّه الأولى بطلب التّحكيم وبالمبادرة نزولاً عند قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ... (٥٩)} [النّساء] وعملاً بقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ... (١٠)} [الشّورى] فقد كان ـ رضي الله عنه ـ وَقَّافاً عند حدود الله.
وبينما هو كذلك جاءه القُرَّاءُ الّذين سُمُّوا بعد ذلك بالخوارج يستأذنونه باستئناف قتال جيش معاوية المعتصم بالتّل، فقام الصّحابيّ الجليل سهْل بن حنيف فيهم خطيباً يذكّرهم بصلح الحديبية، وكيف أنّ بعض المسلمين كانوا كارهين للصلح، لكن أعقبه خيرٌ عظيم.
أخرج أحمد بسند صحيح عن حبيب بن أبي ثابت، قال: " أتيتُ أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الّذين قتَلهم عليٌّ بالنَّهروان، ففيما استجابوا له، وفيما فارقوه، وفيما استحلَّ قتالهم، قال:
كنَّا بصفِّين، فلمّا استحرَّ القتْلُ بأهل الشَّام اعتصموا بِتَلٍّ، فقال عمرو بن العاص لمعاويةَ: أرسل إلى عليّ بمصحف وادْعُهُ إلى كتاب الله؛ فإنّه لن يأبى عليك، فجاء به رجلٌ، فقال: بيننا وبينكم كتابُ الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)} [آل عمران].