للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمّداً رسول الله!

أمّا الحديث الّذي رواه مسلم، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتحدّث عن أمر مباح من أمور الدّنيا ومعايشها وهو أبار (تلقيح) النّخل، وهو نصّ على وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدّنيا على سبيل الرأي. أمّا ما قاله - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده، ودلّ دليل على أنّ المقصود من فعله الاقتداء به كان تشريعاً يجبُ الأخذ به.

وهناك منْ يحمل على الإمام مسلم، وينكر هذا الحديثَ الصّحيح الّذي رواه، ويقول: إنّ تلقيح النّخل لا يجهله النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ...

وغرضه من ذلك التّعريض بالشّيخين، والنّيل من أصحّ الكتب بعد كتاب الله تعالى!

هذا، وخير من تلقّى السّنّة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ واجباً كان أو مندوباً، قال حذيفة ـ رضي الله عنه ـ: " حدّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين رأيتُ أحدَهُما، وأنا أنتظر الآخر، حدّثنا: أنّ الأمانة نزلت في جذور قُلُوب الرّجال، ثمّ عَلِموا من القرآن، ثمّ علموا من السّنّة ... " (١).

مثل الّذين حمّلوا هدي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمّ لم يحملوه كمثل قيعان!

ضَرَبَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما بُعِثَ به من الهدى والعلم مثلاً بالغيث أصاب أرضاً في حال حاجتها، وكذا كان حال النّاس قبل مبعثه، وأنّ هذه الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك النّاس، قال - صلى الله عليه وسلم -:

" إنّ مَثَلَ ما بعثني الله ـ عزّ وجلّ ـ من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها: طائفةٌ طيّبةٌ قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فنفع الله بها النّاس، فشربوا منها، ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنّما هي قيعان، لا تمسك ماءً، ولا تُنْبتُ كلأ، فذلك مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دين الله، ونَفَعَهُ بما بعثني الله


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٩٣) كتاب الفتن.

<<  <   >  >>