أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من فمه إلاّ الحقّ، فهذا دليل على أنّه معصوم، وما خرج من فمه من القرآن فهو وحي متلوّ، وما خرج من فمه سوى ذلك فهو وحي مَرْويٌّ. وقد دلّت الآيات أيضاً على أنّ السّنّة وحي، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ... (١١٣)} [النّساء] والحكمة يحمل معناها على السّنّة المبيّنة لأحكام الله تعالى.
والّذين يبغضون سنّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الدّالّة على عوارهم لهم نصيب من قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)} [الكوثر] والّذين يُعرِضون عنها لهم نصيب من قوله تعالى: {و إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إلى الكتاب والسّنّة {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠)} [النّور] وليعلم هؤلاء أنّهم قد خانوا الله بتعطيل أمره، وخانوا الرّسول بتعطيل سنّته، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)} [الأنفال].
بل كان الواجب عليهم أن يصغوا إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)} [النّور] وأن يسمعوا قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أي طاعة معروفة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خير من قَسَمِكُم الّذي لا تصدقون به {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤)} [النّور].
وعلى هذا يخطئ مَنْ يظنّ أنّ السّنّة ليست وحياً كلّها، وأنّه غير ملزم بها؛ فإجماع المسلمين على أنَّ كلّ ما ورد عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، وكان المقصود به التّشريع والاقتداء، ونُقِل إلينا بسند صحيح؛ فهو حجّة على كلّ من يقول لا إله إلاّ الله وأنّ