معاوية ـ رضي الله عنه ـ بَحْرٌ عذبُ الفُراتِ لا تكدِّرُه الدِّلاء، واتّهامه ـ رضي الله عنه ـ بأنّه نازع الحسن بن عليّ ـ رضي الله عنهما ـ الخلافة إن هي إلاّ دعوى، وما أكثر الدّعاوى الّتي ظاهرها الرّحمة وباطنها العذاب!
وأظهر ما يَردُّ هذه الدّعوى أنّ معاوية ـ رضي الله عنه ـ لمّا قُتل عليّ ـ رضي الله عنه ـ واسْتُخْلِفَ الحسنُ بن عليّ ـ رضي الله عنهما ـ سار إليه الحسنُ بكتائب لا يُرى لها طرف لعظمها وكثرتها، فأرسل له معاوية ـ رضي الله عنه ـ رجلين من قُريش يطلُبُ منه الصّلح وحقن دماء المسلمين، وهذا يؤكد نزعة الخير في نفس معاوية وشفقته على المسلمين، وهذان الرّجلان هما: عبد الله بن عامر، وعبد الرّحمن بن سَمُرة. وطلب منهما أن يُفَوِّضا الأمر إلى الحسن، وأن يبذلا له النّصح، وما شاء من مال وغيره، ويرغّبانه بما يريد لرفع السّيف، ويذكّرانه بوصيَّة جَدِّه النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يُصلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "(١).
وطلب معاوية ـ رضي الله عنه ـ الصّلح يدلّ على قوة نظره في تدبير أمور المسلمين، فهو يعلم عواقب الأمور، ويعلم خطر هذا المسير، فقد كان أهل الشّام يريدون أن يَسُودَهم معاوية ـ رضي الله عنه ـ، وأهل العراق يريدون الحسن بن عليّ ـ رضي الله عنهما ـ.
(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ١٦٩) كتاب الصّلح.