آيةُ أنَّ القرآنَ وَحْيُ الله وكَلامُهُ سَلامَتُهُ من التَّناقض والتّضاد لفظاً ومعنى
سلامة القرآن الكريم من التَّناقض والتّضاد في الألفاظ والمعاني دليل قاطع على أنّه وحي الله وكلامه! والقارئ المتدبّر في كتاب الله تراه من دقّة لفظه ومعناه خاشعاً من خشية الله، فمن أسراره الدّقيقة الّتي قلَّ من يلحظها حُسْنُ التّقديم والتّأخير في الألفاظ والمعاني، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ... (١٩١)} [آل عمران] والآية تتحدّث عن صفات أولي الألباب أنّهم يداومون على ذكر الله باللسان والجوارح والأركان في جميع الأحوال: {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ... (١٩١)} [آل عمران]، وهذا في حالة الصّحة والقوّة، ولذلك انظر كيف جاء التّرتيب، الذّكر في حالة القيام، ثمّ في حالة القعود، ثمّ في حالة الاضطجاع.
وقد جاء الأمر عكس ذلك في حالة المرض قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا ... (١٢)} [يونس] فجاء الذّكر في حالة الاضطجاع أوّلاً، ثمّ القعود، ثمّ القيام، ليتناسب مع حالة الإنسان حال مرضه تيسيراً وتسهيلاً، وهذه واحدة من لطائف القرآن الّتي تأسرُ الجنان!
ومن عجيب نظمه أنّ العرب كانت تستخدم الاسم لغرض الدّلالة على الثّبوت والاستقرار والاستمرار من غير دلالة على الزّمان، وتستخدم الفعل للدلالة على الحدوث والتّجدّد مقيّداً بأحد الأزمنة الثلاثة بطريق الاختصار، ولا يحسن وضع أحدهما موضع الآخر. فلو قال قائلهم: زيد صادق. لكان الغرض الدّلالة على ثبوت زيد على الصّدق واستمراره عليه من غير دلالة على الزّمان. ولو أرادوا خلاف ذلك لقالوا: زيد يصدق. فالفعل يصدق يفيد تجدد الصّدق مرّة بعد أخرى مقيّداً بالزّمان وكأنّه لا يصدق دائماً.
وقد جرى القرآن الكريم على نحو ذلك، غير أنّ القرآن إذا تتبّعتَ آياته ورأيت ... كيف جاء التّعبير بالفعل والاسم، عرفت معنى قول الله حكاية على لسان الجنّ: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)} [الجنّ].